قال الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى:
- اشتر نفسك اليوم، فإن السوق قائمة، والثمن موجود, والبضائع رخيصة، وسيأتي على تلك البضائع يوم لا تصل فيه إلى قليل ولا كثير: { ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ وَ { يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ } .
- العمل بغير إخلاص ولا اقتداء، كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله ولا ينفعه.
- إذا حمَّلت على القلب هموم الدنيا وأثقالها، وتهاونت بأورادها التي هي قوته وحياته، كنت كالمسافر الذي يحمِّل دابته فوق طاقتها ولا يوفِّيها علفها، فما أسرع ما تقف به.
- كن من أبناء الآخرة ولا تكن من أبناء الدنيا، فإن الوليد يتبع الأم.
-الدنيا لا تساوي نقل أقدامك إليها، فكيف تعدو خلفها؟
-الدنيا مجازٌ والآخرة وطن، والأوطار إنما تطلب من الأوطان.
- دخل الناس النار من ثلاث أبواب: باب شبهة أورثت شكاً في دين الله، وباب شهوةٍ أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضبٍ أورث العدوان على خلقه.
- لو عرفت قدر نفسك عندنا ما أهنتها بالمعاصي، إنما أبعدنا إبليس إذ لم يسجد لك، وأنت في صلب أبيك، فوا عجباً كيف صالحته وتركتنا!
- من لاح له حال الآخرة هان عليه فراق الدنيا.
-إذا أصبح العبد وأمسى وليس همُّه إلا الله وحده، تحمل الله سبحانه حوائجه كلها، وحمل عنه كل ما أهمه، وفرَّغ قلبه لمحبته، ولسانه لذكره، وجوارحه لطاعته. وإن أصبح وأمسى والدنيا همُّه، حمَّله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكله إلى نفسه، فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق، ولسانه عن ذكره بذكرهم، وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم، فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره، كالكير ينفخ بطنه ويعصر أضلاعه في نفع غيره. فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته، بُلِيَ بعبودية المخلوق ومحبته وخدمته. قال تعالى { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَـنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } .
-الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل بالمشكو والمشكو إليه، فإنه لو عرف ربه لما شكاه، ولو عرف الناس لما شكا إليهم. ورأى بعض السلف رجلاً يشكو إلى رجل فاقته وضرورته، فقال: يا هذا، والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك، وفي ذلك قيل:
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما
تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
والعارف إنما يشكو إلى الله وحده. وأعرَف العارفين من جعل شكواه إلى الله من نفسه لا من الناس، فهو يشكو من موجبات تسليط الناس عليه، فهو ناظر إلى قوله تعالى { وَمَآ أَصَابَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } , وقوله { وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } ، وقوله { أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } .
فالمراتب ثلاثة: أخسُّها أن تشكو الله إلى خلقه، وأعلاها أن تشكو نفسك إلى الله، وأوسطها أن تشكو خلقه إليه.
- القلب يمرض كما يمرض البدن, وشفاؤه في التوبة والحميّة، ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر، ويعرى كما يعرى الجسم، وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة.- إياك والغفلة عمن جعل لحياتك أجلاً ولأيامك وأنفاسك أمداً ومن كل سواه بداً ولا بد لك منه.
- من شُغل بنفسه شُغل عن غيره، ومن شُغل بربه شغل عن نفسه.
- للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة، وثلاثة عالية، فالسافلة: دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدو يوسوس له، فهذه مواطن الأرواح السافلة التي لا تزال تجول بها. والثلاثة العالية: علم يتبين له، وعقل يرشده، وإله يعبده. والقلوب جوّالة في هذه المواطن.
- إذا أراد الله بعبد خيراً جعله معترفاً بذنبه، ممسكاً عن ذنب غيره، جوّاداً بما عنده، زاهداً فيما عند غيره، متحملاً لأذى غيره، وإن أراد به شراً عَكَسَ ذلك عليه.
- من اشتغل بالله عن نفسه، كفاه الله مؤونة نفسه، ومن اشتغل بالله عن الناس، كفاه الله مؤونة الناس، ومن اشتغل بنفسه عن الله، وكّله الله إلى نفسه، ومن اشتغل بالناس عن الله، وكله الله إليهم.
- إذا استغنى الناس بالدنيا استغنِ أنت بالله، وإذا فرحوا بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنِسوا بأحبابهم فاجعل أنسك بالله، وإذا تعرفوا بملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة، فتعرف أنت إلى الله، وتودد إليه تنل بذلك غاية الرفعة.
-
للعبد بين يدي الله موقفان: موقف بين يديه في الصلاة، وموقف بين يديه يوم لقائه. فمن قام بحق الموقف الأول هوّن عليه الموقف الآخر، ومن استهان بهذا الموقف ولم يوفّه حقّه، شدّد عليه ذلك الموقف.
قال الله تعالى { وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً. إِنَّ هَـؤُلاَءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَآءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً } .
من كتاب الفوائد لابن القيم ..