بما أننا نعمل أنا وزوجي في بيروت، قلنا لأنفسنا لمَ لا ننتقل للعيش في منزل والديّ الكبير الكائن في المدينة؟ بهذه الطريقة ننتهي من الزحمة الخانقة ومن الإرهاق ومن الساعات الطويلة التي نمضيها على الطريق! فكرة جيدة في بداياتها، سيئة في واقعها، كادت تقضي على علاقتنا الزوجية...
لم يتحمّس طارق للفكرة كثيراً فهو لم يشأ ترك شقتنا الصغيرة التي قام بديكورها بكل عناية، لا سيما بعد أن عدنا من شهر العسل مباشرةً. ولكن أمام حماستي، انتهى به الأمر في القبول. أمّا ما لم يكن في الحسبان فهو أن تبدأ شقيقتي الصغيرة البالغة من العمر 22 سنة بالتقرّب من زوجي لإغوائه! لم أعرف بالأمر وأصرّ زوجي على عدم إخباري بتلك الفضيحة التي من شأنها أن تدمّر العائلة.
راحت الأيام تمضي وإصرار شقيقتي حيال طارق يزداد، فحين لا أكون في المنزل تتودّد آمال إليه لتثيره حتى إنّها أقدمت على التعرّي أمامه وعلى ملاقاته إلى مكتبه! حاول طارق جعلها تتعقل مفسّراً لها أنّه يراها كشقيقة وأنّ ما تقوم به خطير للغاية بيد أنّها لم تقتنع. من دون أن يقول السبب الحقيقي أخذ طارق يقنعني بالعودة إلى شقتنا. ولكن لمَ أتخلّى عن تلك الحياة المثالية من دون سبب مقنع؟ من جهة ما زلت أعيش في منزل الطفولة ومن جهة أخرى كنت مع الرجل الذي أحبّ! سرعان ما تبدّل سلوكه وصار شديد الانزعاج يختلق الأعذار للتغيّب عن المنزل ما جعلني أظنّ أنّه على علاقة بامرأة أخرى. في إحدى الأمسيات، تبعته لأتأكّد فرأيته يركن سيارته أمام الشاطئ حيث جلس وحده ساعات طويلة يتأمّل الأفق قبل العودة إلى المنزل...
كيف عساي أفسّر سلوكه؟ إن لم يكن على علاقة بامرأة، فلمَ يترك المنزل؟ للهرب مني لا شك! تحدّثت معه عن الموضوع لكنّه أصرّ عليّ كي لا أقلق لأنّه يحبّني كثيراً. بعد مرور بعض الوقت، أطلعني على قراره العودة إلى منزلنا وقال لي إن كنت أحبه وأثق به فليس عليّ سوى اللحاق به. فطلبت منه الوقت لأفكر آملةً أن يعود إليّ ويرجع كل شيء إلى ما كان عليه. ولكن عزم على قراره وحزم أمتعته ورحل! مرت الأسابيع بلا طارق وشعرت بحرن شديد. تعذّب والداي لرؤيتي بهذه الحالة فشجّعاني على الذهاب إلى منزلي، أمّا شقيقتي في المقابل ففعلت كل ما بوسعها لإقناعي بتركه لأنّه سئم مني. أمّا صديقاتي فكان لكل واحدة منهنّ رأيها الخاص ولكنّ الجميع أجمع على أنّ علاقتنا قد انتهت!
غرقت في التعاسة وتساءلت "ألم يحبني يوماً؟ هل كان زواجنا غلطة؟" عندئذٍ قررت أن أقدّم له أجمل عربون عن حبي له وهي حريته. تقابلنا في المقهى حيث تواعدنا:
- "طارق، أحبك بجنون ولكن يبدو أنّ مشاعرك قد تبدّلت. وبما أنّني لا أتحمّل رؤيتك تعيساً وخاصةً بسببي جئت أقول لك أن تطلب الطلاق إن كان ذلك ما تريده."
فنظر إليّ مصعوقاً وقال:
- "ماذا تقولين؟ أنا أعشقك والآن أكثر من السابق. أردتك أن تثقي بي وتصدّقيني ولكن عبثاً حاولت. أظنّ أنّ الوقت قد حان لتعرفي الحقيقة."
وأخبرني كل القصة حتى إنّه أسمعني تسجيلات على هاتفه النقّال تحاول فيها آمال أن تشدّه إليها وأن تقنعه بإقامة علاقة حميمة معها. لم أصدق ما سمعته فأنا لم أفكر بالأمر حتى! ولكنه كان صحيحاً. قررت مواجهة أختي التي أنكرت ولكن حين أسمعتها صوتها في التسجيلات راحت ترتجف وسكتت. سألتها عن سبب سلوكها وسبب اختيارها لزوجي من بين كل الرجال حول العالم ولا سيما أنّها جميلة وقادرة على لفت انتباه أي شاب.
- "لأنّني أكرهك ولطالما أبغضتك لأنّك نلت الأفضل على الدوام: اهتمام والديّ، اهتمام الأساتذة والجيران والشبان. كنت أستعمل كتبك في المدرسة وألبس ثيابك وكنت أسمع على الدوام: "انظري إلى شقيقتك وخذيها مثالاً لك". هل تظنين حقاً أنّ زوجك يعجبني؟ أجده قبيحاً وبغيضاً! جل ما أردته تحطيم قلبك ورؤيتك منهارة وتعيسة لمرة واحدة."
- "كيف يسعك أن تكرهيني لهذه الدرجة وأنا لم أؤذكِ؟ لمَ أدفع أنا ثمن خطأ اقترفه والدانا؟ أنت جميلة وذكية وأنا واثقة من أنّك ستنسين حقدك نحوي. ستجدين حتماً شخصاً يحبّك ويسعدك. في المقابل، لن أقول شيئاً لوالديّ بل سأرحل وهذا سيريحك."
هذا ما كان عليّ فعله منذ البداية إذ كان عليّ الاستماع إلى قلبي ووضع ثقتي بالرجل الذي لا يريد سوى سعادتي. منذ ذاك الحين، عدنا للعيش في منزلنا ولم نعد نذهب إلى منزل والديّ إلاّ يوم الأحد لتناول الغداء مع العائلة. وسرعان ما استرجعنا عشّ حبنا الصغير. الآن حين أعلق في الزحمة وأنا ذاهبة إلى العمل أبتسم لأنّ العودة عند المساء لملاقاة زوجي تستحقّ كل العناء;)!
منقول