ان اعظم الكلام كلام الله
واعلى العلوم واشرفها هو علم التفسير تفسير كلام المولى عز وجل
ولقد حاول كل ذى علم تفسير كلام الله وفقا لفهمه أو وفقا لما جمعه عمن سبقه من تفسيرات
ومكتبتنا العربية ينقصها بالفعل تفسير جامع اقرب الى الفهم وليكون تعبيرا صحيحا عما كتبه الاقدمون والمحدثون
فاغلب التفسيرات بين يدى القارئ متشابهة واجتهادية فى الاساس وفهم بشر
وانا سأضرب مثال بالاية الاولى من سورة الاسراء
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(1)}
وسأتوقف عند إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
كان يفترض ان تكون كتابتى بحث منهجى مقارن فى تفسير جزء من الآية لكن ضيق الوقت يكفى عند مجرد العرض
تفسير السعدى: لم يكتب عنها اى شئ
تفسير النابلسى : لم يكتب عنها اى شئ
تفسير القرطبى : لم يكتب عنها اى شئ سوى سبق وتقدم كتفسير لاسم الله السميع واسم الله البصير
تفسير ابن كثير : لم يكتب عنها اى شئ
تفسير البيضاوى : لم يكتب عنها اى شئ
فتح القدير : لم يكتب عنها اى شئ
تفسير الشعراوى : وقوله: {إِنَّهُ هُوَ السميع البصير}
أي: الحق سبحانه وتعالى.
السمع: إدراك يدرك الكلام. والبصر: إدراك يدرك الأفعال والمرائي، فلكل منهما ما يتعلق به.
لكن سميع وبصير لمن؟
جاء هذا في ختام آية الإسراء التي بيَّنَتْ أن الحق سبحانه جعل الإسراء تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم بعد ما لاقاه من أذى المشركين وعنتهم، وكأن معركة دارت بين رسول الله والكفار حدثتْ فيها أقوال وأفعال من الجانبين.
ومن هنا يمكن أن يكون المعنى:(سَمِيعٌ) لأقوال الرسول(بَصِيرٌ) بأفعاله، حيث آذاه قومه وكذبوه وألجؤوه إلى الطائف، فكان أهلها أشدَّ قسوة من إخوانهم في مكة، فعاد مُنكَراً دامياً، وكان من دعائه: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).
فالله سميع لقول نبيه صلى الله عليه وسلم. وبصير لفعله.
فقد كان صلى الله عليه وسلم في أشدِّ ظروفه حريصاً على دعوته، فقد قابل في طريق عودته من الطائف عبداً، فأعطاه عنقوداً من العنب، وأخذ يحاوره في النبوات ويقول: أنت من بلد نبي الله يونس بن متى.
أو يكون المعنى: سميع لأقوال المشركين، حينما آذوا سَمْع رسول الله وكذَّبوه وتجهَّموا له، وبصير بأفعالهم حينما آذوه ورَمَوْه بالحجارة.
تفسير الطبرى : إن الذي أسرى بعبده هو السميع لما يقول هؤلاء المشركون من أهل مكة في مسرى محمد صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، ولغير ذلك من قولهم وقول غيرهم، البصير بما يعملون من الأعمال، لا يخفى عليه شيء من ذلك، ولا يعزب عنه علم شيء منه، بل هو محيط بجميعه علما، ومحصيه عددا، وهو لهم بالمرصاد، ليجزي جميعهم بما هم أهله.
وكان بعض البصريين يقول: كسرت "إن" من قوله (إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لأن معنى الكلام: قل يا محمد: سبحان الذي أسرى بعبده، وقل: إنه هو السميع البصير.
تفسير البغوى : ذكر " السميع " لينبه على أنه المجيب لدعائه ، وذكر " البصير " لينبه على أنه الحافظ له في ظلمة الليل .
البحر المحيط : قال الزمخشري : ( إنه هو السميع ) لأقوال محمد ( البصير ) بأفعاله ، العالم بتهذيبها وخلوصها فيكرمه ، ويقربه على حسب ذلك . (نسخة نص تفسير الكشاف )وقال ابن عطية : وعيد من الله للكفار على تكذيبهم محمدا - صلى الله عليه وسلم - في أمر الإسراء ، فهي إشارة لطيفة بليغة إلى ذلك أي : هو السميع لما تقولون ، البصير بأفعالكم . انتهى .
فى ظلال القران : يسمع ويرى كل ما لطف ودق، وخفي على الأسماع والأبصار من اللطائف والأسرار. والسياق يتنقل في آية الافتتاح من صيغة التسبيح لله: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا إلى صيغة التقرير من الله: لنريه من آياتنا إلى صيغة الوصف لله: إنه هو السميع البصير وفقا لدقائق الدلالات التعبيرية بميزان دقيق حساس. فالتسبيح يرتفع موجها إلى ذات الله سبحانه. وتقرير القصد من الإسراء يجيء منه تعالى نصا. والوصف بالسمع والبصر يجيء في صورة الخبر الثابت لذاته الإلهية. وتجتمع هذه الصيغ المختلفة في الآية الواحدة لتؤدي دلالاتها بدقة كاملة.
صفوة التفاسير : أي إنه تعالى هو السميع لأقوال محمد، البصير بأفعاله، فلهذا خصَّه بهذه الكرامات والمعجزات احتفاءً وتكريماً
ان الغالب على وليس كل تلك التفسيرات اعادت الضمير على المولى عز وجل فى إنه كونه هو تعالى السميع البصير مع العلم ان السميع البصير لا يتناسب موضعها مع القدرة الالهية الاعجازية فى حقنا كبشر
فالاولى انه هو القادر أو الملك أو الكبير المتعال وغيره مما يناسب صفات القدرة والعظمة
فالسميع والبصير ما جملة مناسبتها فى رحلة الاسراء والمعراج - الرحلة المعجزة
فمثال على ذلك افتتاح سورة المجادلة قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ فختام الآية من صحة المناسبة
ومثله كثير جدا فى القران
فتعالى معى سريعا نستعرض بعض تفاسير كتاب الله العزيز الحكيم
فتح البيان فى مقاصد القران: (إنه) سبحانه (هو السميع) بكل مسموع، ومن جملة ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (البصير) بكل مبصر، ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله، قيل في هذه الآية أربعة التفاتات، وذلك أنه التفت أولاً من الغيبة في قوله الذي أسرى بعبده إلى التكلم في قوله باركنا حوله.
ثم التفت ثانياً من التكلم في باركنا إلى الغيبة في ليريه على قراءة الحسن بالياء، ثم التفت ثالثاً من هذه الغيبة إلى التكلم في آياتنا، ثم التفت رابعاً من هذا التكلم إلى الغيبة في قوله أنه هو على الصحيح في الضمير (إنه) لله تعالى.
وأما على قول نقله أبو البقاء أن الضمير في أنه هو للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يجيء ذلك
انظر هنا الى تفسيرات أخرى تعيد الاسمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم
التحرير والتنوير : وأيا ما كان فموقع ( إن ) التوكيد والتعليل كما يؤذن به فصل الجملة عما قبلها .
وهي إما تعليل لإسناد فعل ( نريه ) إلى فاعله ، وإما تعليل لتعليقه بمفعوله ، فيفيد أن تلك الإراءة من باب الحكمة ، وهي إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي ، فهي من إيتاء الحكمة من هو أهلها .
والتعليل على اعتبار مرجع الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم أوقع ؛ إذ لا حاجة إلى تعليل إسناد فعل الله تعالى ; لأنه محقق معلوم ، وإنما المحتاج للتعليل هو إعطاء تلك الإراءة العجيبة لمن شك المشركون في حصولها له ، ومن يحسبون أنه لا يطيقها مثله .
على أن الجملة مشتملة على صيغة قصر بتعريف المسند باللام وبضمير الفصل قصرا موكدا ، وهو قصر موصوف على صفة قصرا إضافيا للقلب ، أي هو المدرك لما سمعه وأبصره ، لا الكاذب ، ولا المتوهم كما زعم المشركون ، وهذا القصر يؤيد عود الضمير إلى النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه المناسب للرد ، ولا ينازع المشركون في أن الله سميع وبصير . إلا على تأويل ذلك بأنه المسمع والمبصر لرسوله الذي كذبتموه ، فيؤول إلى تنزيه الرسول عن الكذب والتوهم .
ثم إن الصفتين على تقدير كونهما للنبي صلى الله عليه وسلم هما على أصل اشتقاقهما ; للمبالغة في قوة سمعه وبصره ، وقبولهما لتلقي تلك المشاهدات المدهشة ، على حد قوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى ، وقوله أفتمارونه على ما يرى . وأما على تقدير كونهما صفتين لله تعالى فالمناسب أن تؤولا بمعنى المسمع المبصر ، أي القادر على إسماع عبده وإبصاره ، كما في قول عمرو بن معد يكرب :
نظم الدرر فى تناسب الايات والسور: ولما كان المعول عليه غالباً في إدراك الآيات حس السمع والبصر، وكان تمام الانتفاع بذلك إنما هو بالعلم، وكان سبحانه قد خص هذا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من كمال الحس مما يعد معه حس غيره عدماً، عبر عن ذلك كله بقوله تعالى: {إنه} أي هذا العبد الذي اختصصناه بالإسراء {هو} أي خاصة {السميع} أي أذناً وقلباً بالإجابة لنا والإذعان لأوامرنا {البصير} بصراً وبصيرة بدليل ما أخبر به من الآيات، وصدقه من الدلالات،
تم عرض نصوص التفاسير كما هى دون تعليق وهى منقسمة بين عودة الضمير فى {إِنَّهُ هُوَ السميع البصير} على المولى عز وجل وهى الاغلب والأقل منها عودة الضمير على جناب النبى صلى الله عليه وسلم
والان سأقدم نوعا آخر من التفسيرات تجدون بعضها فى قسم المخطوطات
لطائف الاشارات للقشيرى :
تفسير الجيلانى : (انه) - اى الرسول الاعظم- بعد تجرده عن جلباب تعيينه وهويته (هو السميع) بسمعنا،فيسمع بنا منا (البصير) ببصرنا، فيبصر ببصرنا عجائب صنعنا وغرائب مبدعاتنا
تفسير الكبرى : اشارة الى النبى وهو السميع الذى كنت له سمعا فبى يسمع وبصرا فبى يبصر
إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الذى يسمعنا الْبَصِيرُ يبصرنا فإنه لا يسمع كلامنا إلا بنا ولا يبصر جمالنا
تفسير البقلى : فرأى الحق بجميع وجوده لأن وجوده صار بجميعه عينا من عيون الحق فرأى الحق بجميع العيون وسمع خطابه بجميع الاسماع وعرف الحق بجميع القلوب حتى فنيت عيونه واسماعه وقلوبه وارواحه وعقوله فى الحق فنظر الحق الى الحق لأجله نيابة عنه لأن عيون الحدوثية فنيت فى عيون الحق وعيون الحق رجعت الى الحق فرأى الحق الحق وعرف الحق الحق وسمع الحق من الحق رحمة منه اليه وتلطفا به لأنه يسمع ويرى
الا ترى الى آخر الآية قوله ( إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) سمع كلامه من نفسه وأبصر نفسه بنفسه ، كان فى الازل سميعا بصيرا ، لكن هاهنا يسمع ويبصر بسمع عبده وبصر عبده
تفسير ابن عربى : إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لما خوطب به (رسول الله) ولما يخبر به الحق من التعريفات (البصير) لما شاهده من الايات وتقلبات الاحوال فى العالم كله من آيات
تلك عينات من عشرات كتب التفسير المطبوعة بين يدى القراء ولعل اشهرها تفسير الطبرى ،ابن كثير ، القرطبى
ونلاحظ ان اغلب التفاسير تقوم على النقل والرواية عن سند وكثير من المؤلفين يحيلونك الى تفسيرات اسبق تم كتابتها فى أزمنة أقدم
الا التفسيرات الصوفيه فانها تقوم على الذوق مباشرة ولا تحيلك الى مؤلفات أخرى لمفسرين آخرين الا فى النادر فالتجربة الصوفيه هى تجربة ذاتية بين يدى الرب عز وجل تقوم على انه كلما رتلت رقيت وكلما رتلت أُلهمت مزيدا من الفهم
وتتنوع الأفهام لكل صوفى على حده ولكنها أفهام ليس اساسها الملاحظة والعقل والنقل بل أساسها الذوق والتأدب بين يدى الجليل لتفهم باطن المعنى لا ظاهر الحرف وكأنها جميعا وهى بالفعل تتفرع عن نهر واحد بمصب أخير ونهائى
مبدأه الرحمن وجريانه بالالهام ونهايته بالتلقى والرسوخ فى الوجدان
اغلب التفسيرات الصوفيه سيحكم عليها القارئ انها افهام ووجهات نظر ورؤية شخصية لكاتبها فقد عرضت جزء من اجزاء بتخصيص الموضوع عن إِنَّهُ هُوَ السميع البصير ولعل القارئ اذا أحال نفسه الى التفسيرات الصوفية وقرأ مجمل نصوصها لوجد مغنما فذاً من الذوق والفهم مختلفا عما اعتاده القراء من قراءات فى التفسير ولا غبن فى ذلك الا ما يخص تفسير نجم الدين الكبرى
فقد قدم حالة ذوقيه غير مسبوقة وغير مكررة - فيما توفر لدينا من كتب - وكأنه حضر وكأنه شهد فجاء ليشرح سيناريو كاملا بعبارات ومفاهيم لا يدركها الا قارئ عزيز فى علم التصوف واصطلاحاته ولا يشعرها الا من كانت له قدم فى علم الاحوال فلا نحيل القارئ فى التعمق فى كلمات الكبرى فقد عبر عنها بحاله مخاطبا بها نفسه فى حين ان تفسيرات اخرى كالجيلانى فانه يخاطب عموم الناس على قدر أفهامهم وأقدامهم وعقولهم
ان الهدف من الموضوع ليس تغليب تفسيرا على تفسير أو طريقة على شريعة ولكنه بهدف
1- تبيان حكمة النص فى ختم الآية وهو مما تعده مئات المرات فى الآيات فى ختامها بذكر الله ،فهو نص حكيم تختلف فيه الصفات الذاتية العليا فى نهاية الآية وفقا لمضمون كل آية وما يناسبها من اسماء الله بأسلوب ومنهج الهى حكيم لا يتطرق الى فهمه مثلى وسائر القراء وهو غير موزون وفقا لمفاهيمنا نحن عن تلك الاية
2- إطلاع القارئ على تفسيرات غير متداولة تنحى منحى خاصا ومنهجا مختلفا فى التفسير يبتعد عن المناهج العلمية المتعارف عليها فى التفسير حيث يقوم على التجربة الذاتية الشخصية فى خصوصية فريده لعلاقة العبد بالرب وكون الرب هو مصدر الالهام والفهم والإدراك ولا يكون ذلك الا بمنهج خاص فى الترتيل واعمال القلوب بما يهدف الى حث القارئ على تغيير نمط القراءة والبحث عن مصادر مختلفة واضافية لموضوعاته بما يشبع نهمه من نيل العلوم وتحصيلها
3- توضيحا لرأى بعدم مناسبة ختام الآية مع اولها
ان الموضوع لا يرقى الى مستوى البحث العلمى فهو لا يعد موضوعا بحثيا لافتقاده الى مقومات كثيرة متعارف عليها للمنهج العلمى التجريبى وينقصه اضعاف ذلك وذلك مرجعه لضيق الوقت فمثل هذا يحتاج الى ايام من البحث والمقارنة لا ساعتين من الوقت تكاد تكفى لعرض ما تم عرضه من مدخلات وشرحها والتعليق عليها واضافة شروحات مستفيضة
ولعله يتوفر يوما الوقت لإتمام الموضوع ويحُسب كبحث علمى يفيد السالكين فى طريق المعرفة وفى طريق الله
وهذا موضوع حصرى تم كتابته فى وقته وحينه خصيصا لمنتدى الشيخ الدالى ولا يجوز نسخه لكن يجوز فهمه والزيادة عليه فيما يخدم الهدف منه
وصلى الله على النبى الأمى وعلى آله وصحبه وسلم
أخيكم سفير