بسم الله الرحمن الرحيم
المسلمون في أعيادهم، يرددون كلمة الله أكبر.
هذه الكلمة يرددها المسلم في صلاته في اليوم أكثر من مائتين وخمسين مرة .
والكلمة كما تعلمون، لها شكل، ولها مضمون أضرب مثلاً: أكتب على ورقة، كلمة بحر، وضعها في جيبك، هل تبتل جيبك، فالكلمة لها لفظ، ولها مضمون. أكتب كلمة جبل، وضعها في أصغر جيوبك، ولكنك لا تستطيع أن تحمل متراً مكعباً من هذا الجبل.
فكلـمة الله أكـبر نرددها في الصلاة في اليوم أكثر مـن مائتين وخمسين مرة، لماذا يقول المؤذن الله أكبر ؟
المسلم في مكتبه التجاري، في دكانه، في مكتب المحامي، في عيادة الطبيب، في بيته، بين يـديه عمل، يعـقد صفقة، ينجز عـملاً، فإذا سمع الله أكبر، يعني الله أكبر، من كل ما في يديك، من تجارتك وأعمالك ومشاريعك وصناعتك وطموحاتك، وأنت في الصلاة أي شيء يشغلك عن الله عز وجل الله أكبر منه.
لذلك قالوا الخشوع في الصلاة من فرائضها لا من فضائلها.
لذلك بعض العلماء قال تكبيرة الإحرام، ركن، بعضهم قال شرط، هناك فرق بين الركن والشرط
مـثلاً: الطـهارة شـرط، استقبال القبلة شرط، دخول الوقت شرط، طهارة الثوب والبدن والمكان شرط، لكن الركوع ركن، السجود ركن
الركن ينقضي بأدائه، ركعت ثم سجدت، انتهى الركوع، لكنك ينبغي أن تكون أثناء الصلاة مستقبل القبلة.
فالشرط مستمر، والركن منقضٍ.
اختـلف العلماء فيما إذا كانت تكبيرة الإحرام شرطاً أو ركناً، بعضهم رجح أن تكون شرطاً، فينبغي أن تستحضر عظمة الله عز وجل طوال الصلاة، لو أن الإنسان انزاح عن القبلة، فسدت صلاته، لو فسد وضوءه فسدت صلاته، لو خرج عن استعظام الله عز وجل، وعن استحضار هيبته، وعن الخشوع له، فكأن هذا الشرط لم يتحقق.
ونقول الله أكبر في عيد الفطر السعيد، تنفيذاً لقوله تعالى:
﴿لتكبروا الله على ما هداكم﴾
( سورة الحج: 37 )
اعـلم أن الله سبحانه وتعالى مـا عنده من خير ثمنه الانتصار على النفس، والله أكبر من الدنيا وما فيها، إنسان لا يصوم رمضان، يستمتع أيام الحر بالماء البارد والشراب الطيب، والطعام الطيب، والمسلم طبعاً يضحي بمتعة الطعام والشراب ويصوم، حينما يفطر بالعيد، يقول الله أكبر يعني عطاء الله عز وجل، وإكرام الله أكبر من الدنيا وما فيها، ولولا أن الله أعانني ما صمت.
يردد الحاج مقولة لبيك اللهم لبيك، يبدأها من الإحرام في طريقه إلى مكة، كلما صعد تلة وكلما التقى بأخ، وكلما طرأ طارئ، ينادي لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك يطوف حول الكعبة يسعى بين الصفا والمروة، يذهب إلى عرفات، يقف في عرفات، ينطلق إلى مزدلفة، ينطلق إلى منى يرجم جمرة العقبة، يحلق، يقطع التلبية، ويقول الله أكبر.
إذاً أنت أيها الحاج انتصرت على نفسك، ولبيك دعوة ربك واصطبغت بصبغة الله عز وجل، وشعرت بالقرب منه، فهذا الإنجاز الذي حققته، أكبر من الدنيا وما فيها.
هذه الكلمات: قالها المسلمون الأوائل، فهزوا أركان الدنيا، الكلمات هي هي، لكن هذه الكلمات العظيمة، فرغت من مضمونها في أيامنا هذه.
لو أن إنساناً أطاع زوجته، وعصى ربه، ما قال الله أكبر ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة، هو أطاع زوجته، لأنه رأى رضاها أكبر من رضاء الله عز وجل، وأما سخطها أشد عليه من سخط الله عز وجل، فأطاعها وعصى الله عز وجل، إذا كان كسب المال الحرام أفضل عنده من طاعة الله ما قال الله أكبر ولا مرة، ولو رددها بلسانه ألف مرة.
الكلمات التي قالها المسلمون الأوائل، هزوا بها أركان الدنيا، ويرددها الآن مليار ومائتا مليون مسلم، فلا يحركون بها ساكناً، لأن الكلمات فرغت من مضمونها.
الـكلام له مضمون، ولـه شكل، فنحن الآن بحاجة إلى أن نعيد لهذه الكلمات مضمونها.
فـكل إنـسان يؤثر رضـاء مخلوق على رضاء ربه كائناً من كان كل إنسان يعصي ربه ليطيع مخلوقاً، لو يقول مليون مرة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر: ما قالها ولا مرة .
الإسلام ليس طقوساً ولا شكليات، ولا كلمات تردد، الإسلام مبادئ، الإسلام مناهج، الإسلام التزام، فأنت لو ما قلت ولا مرة، وليس عندك إمكان أن تطيع مخلوقاً وتعصي الله، فـأنت قلت ألف مرة، ولو لم تقلها ولا مرة، والـذي قالها ألف مرة، وعصى ربه وأطاع مخلوقاً تافهاً، ما قالها ولا مرة ولو رددها بلسانه ألف مرة.
نقولـها حينما نواجه العدو، لأن المـسلم يعـلم أن الله أكبر من أكبر قوة في الأرض، ونقولـها بعد الانتصار عليه، لنعلم أن الذي نـصرنا ليست قوتنا، وليس ذكاءنا، وليـست خطتنا، ولكن الله هو الذي نصرنا، لقوله تعالى:
﴿وما النـصر إلا مـن عند الله﴾
( سورة آل عمران: 126 )
﴿ إن ينـصركم اللـه فـلا غـالب لكم﴾
( سورة آل عمران: 160 )
﴿إن تنصروا الله ينصركم﴾
( سورة محمد: 7 )
يقولـها المؤذن: الله أكبر وأنت في العمل، وبين يديك صفقة بمائة مليون الله أكبر،
﴿ورحمة ربك خير مما يجمعون﴾
( سورة آل عمران: 157 )
دع العمل واتجه نحو المسجد، تقولها في الصلاة، كل الخواطر في الصلاة تافهة جداً أمام عظمة الله عز وجل، فينبغي أن تلاحظ، أن الله أكبر، من أي موضوع يشغلك في الصلاة.
تـقول الله أكبر، في عيد الفطر الـسعيد، لأنـك انتصرت عـلى نفسك في رمضان، وأطعت ربك الواحد الديان.
وتقولـها في عيد الأضحى المبارك، انتصرت على نفسك وآثرت ترك الوطن والأهل والأولاد والبلد، وذهبت إلى الله عز وجل ملبياً نداءه تقول الله أكبر.
إذاً الله أكبر كلـمة، قالـها المـسلمون الأوائل، فهزوا بـها أركـان الدنيا، النبي قالـها، عنـدما عرضوا عـليه أن يكون أغنى شباب قريش عرضوا عليه أن يزوجوه بأجمل فتيات قريش، عرضوا عليه أن يـسودوه عليهم، قال والله يا عم: لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه، قال الله أكبر.
قالها سيدنا خبيب بن عدي: عندما وقع في أيدي قريش أسيراً، وصلبوه وبدؤوا بتقطيع أعضائه عندها قال له أبو سفيان: يا خبيب: أتحب أن يكون محمد مكانك وأنت ناج فيجيب خبيب: والله ما أحب أن أكون من أهلي آمناً وادعاً وأن محمداً يوخذ بشوكة. أهلك وولدك.
قـال الله أكبر بملء فيه، فالرجل لا يجامل نفـسه، لا يتملق نفـسه، يا ترى هل هو مقيم على معصية، الله أكبر، الله أكبر، أخي كبر يا أخي ارفع صوتك، الإسلام ما ينتصر برفع الصوت، ينتصر بالأعمال، فنحن إذا قلنا بعد أيام، الله أكبر في العيد، يعني الله أكبر من كل شيء، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، الله أكبر من الدنيا وما فيها، من كل التجارات، من كل الأموال، من كل المكتسبات، هذه الله أكبر.
يعني علبه مخمل فيها جوهرة، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كانت معهم هذه العـلبة وجوهره، فاغتنوا بها، فنحن نتمنى أن تعود هذه الجوهرة إلى هذه العلبة، حتى لا تكون كلماتنا كلمات جوفاء، مفرغة من مضمونها، لا تعني شيئاً.
الله عز وجل قال:
﴿ المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا﴾
( سورة الكهف: 46 )
الباقيات الصالحات هي سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
إذا سبحته وحمدته ووحدته وكبرته فقد عرفته، ولئن تعرف الله وتعرف منهجه وتتقرب إليه خير لك من المال والبنين التي هي زينة الحياة الدنيا.
والباقيات الصالحات، أشار ربنا إلى أن الدنيا وما فيها من أموال وأولاد فانيات، هذه باقيات وهذه فانيات. والحمد لله رب العالمين
م/ن