من فضائل الصيام: أنّ ثوابه لا يتقيَّد بعدد معيَّن، بل يُعطى الصائم أجره بغير حساب، لأنّا نعلم أن الله –سبحانه وتعالى- قد رتّب على الأعمال ثوابا يتجلّى فيه كرم الرب –عز وجل- ، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، بالعدد، إلا الصيام، فإنه لا يدخل في هذا التضعيف، جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: ((كل عمل ابن آدم له يضاعف، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله –تعالى- إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي)) فهذه فضيلة للصيام أن الله –تعالى- قد تكفّل بالجزاء على الصيام بدون عددٍ معيَّن.
هذا الحديث يتبيَّن منه فضيلة الصوم من وجوه:
أولا: أن الله –تعالى- اختص الصوم له –تعالى- من بين الأعمال، فقال: ((كل عمل ابن آدم له إلا الصوم)) يعني أن كل عمل ابن آدم يضاعف له كذا كذا كما ذكر إلا الصوم فإن الله –تعالى- اختصه من بين الأعمال قال: ((فإنه لي وأنا أجزي به))؛ وهذا لشرفه ومحبته، شرف الصيام ومحبة الله –تعالى- له، وظهور الإخلاص فيه، فهو سرٌّ بين العبد وربه، إذ الإمساك أساسه في القلب، الصيام أساسه في القلب؛ إمساكٌ بنية، ثم أيضا قد يستتر الإنسان عن الناس فيأكل ويشرب، وربما لا ينوي بقلبه الصيام فلا يكون صائما، فإذن الصيام سرٌ بين العبد وربه –عز وجل-، لا يقوم به إلا المتقي المخلص لله –عز وجل- المراقب لله الخائف من الله –تعالى- سرا وعلانية، ولهذا اختصه الله –تعالى- من بين الأعمال قال: ((الا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)).
عن سفيان ابن عيينة –رحمه الله- قال: " إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده ويؤدّي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى إذا لم يبقى إلا الصوم يتحمَّل الله عنه ما بقي من المظالم ويدخله الجنة بالصوم" يعني أن الله يحاسب العبد يوم القيامة ويؤدي ما عليه من المظالم من عمله الذي عمل، فإذا فَنِيَ عمله وبقيت عليه بعض المظالم فإن الله –سبحانه وتعالى- يتحمّل عنه تلك المظالم ويستبقي له من عمله الصيام حتى يدخله الجنة بالصيام، وهذه خصيصة من خصائص الصيام بها يتجلّى ويتبيّن وجه اختصاص الله –تعالى- نفسه بالصيام في قوله : ((إلا الصوم فإنه لي وأنا اجزي به)).
ثم أيضا إن الله –تعالى- قال في الصوم : ((وأنا أجزي به)) فأضاف الجزاء إلى نفسه الكريمة والعطية على قدر معطيها، والله –سبحانه وتعالى- غني كريم جواد بيده مقاليد السماوات والأرض، ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض لم يَغِض ما في يمينه –سبحانه وتعالى- فهو قال: (( وأنا اجزي به)) يعني جزاء الصائم عليّ، وقد يتبيّن شيء من هذا إذا قال لك كبير أو غني أو ثري أو أمير قال: يا فلان لك مني هدية أو لك مني مكافأة، هل تتوقع أن تكون مثل مكافأة سائر الناس وهو أمير أو ثري؟ لا، بل تتوقع أن تكون على قدره، فالعطية على قدر معطيها، كيف إذا كان الذي قال هذا القول هو الله –سبحانه وتعالى- الذي بيده مقاليد السماوات والأرض؟ وإذا اجتمع العباد كلهم إنسهم وجنهم في صعيد واحد فسألوا الله –عز وجل- فأعطى كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عند الله –عز وجل- إلا كما ينقص المِخْيَط إذا غُمِسَ في البحر، فماذا ينقص؟ .
الله –تعالى- قال: ((إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)) ذلك أن الصوم يتحقق فيه الصبر بجميع أنواعه؛ صبر على طاعة الله بآداء الصيام، وصبرٌ عن محارم الله بانتهاك ما يؤثر في الصيام، وصبر على أقدار الله المؤلمة من جوعٍ وعطش، والصابرون يوفَّون أجرهم بغير حساب؛ كما قال –تعالى- : {إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}.
هذه الفضائل والأجور العظيمة إنما تكون لمن تأدب بآداب الصيام فصام كما صام نبي الله-صلى الله عليه وسلم-والمؤمنون، ولم يكن صومه صوما مَظْهَريّا وإنما صوما حقيقا، جاء في الحديث: ((رُبّ صائمٍ ليس من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُبّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر)) فالعبرة كما قلتُ آنفا ليست بصورة العبادة ما لم تكن لها حقيقة، ما لم يتأدب العبد بآدابها حتى تترتب عليها آثارها التي رتبها الله –عز وجل- عليها وربطها بها جريا على سنة الله –عز وجل- في ربط الأسباب بمسبباتها.