ومن هنا فرعاية الإسلام للمحافظة على الأسرار يستهدف من ورائها تكوين المجتمع الإسلامي، ووضع التشريعات الضابطة لحماية العلاقات وتنميتها أمرلازم لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها من الناحية المعنوية. إن الناس يخالط بعضهم بعضًا ويفضي بعضهم إلى بعض بما قد يكون سرًا، وإن من الخيانة أن يُستأمن المرء على سر فيذيعه وينشره، ولو إلى واحد فقط من الناس، فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة".
إن تربية الابناء على حفظ الأسرار وعدم إشاعتها، فهاهي أم أنس بن مالك رضي الله عنها يتأخر عليها ولدها أنس فتسأله: "ما حَبَسَك؟ قال بعثني رسول الله لحاجة.قالت ما حاجته؟قال: إنها سر. قالت: لا تحدثنَّ بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا".
ذا المرء أفشى سـره بلسـانـه.. ... ..ولام عليـه غيـره فهو أحمـق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه.. ... ..فصدر الذي يستودع السر أضيق
تعد المحافظة على الأسرار خاصية إنسانية في العلاقات الاجتماعية؛ من حيث تعامل الفرد مع الآخرين، ومع المجتمع الذي يعيش فيه، والأسرار لها أهمية كبيرة فيالأمم، فهي من أعظم أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح,ولو أُهملت المبادئ الأخلاقية والاجتماعية، وسُمح للخيانة وفشو الأسراربالانتشار؛ لزالت المعاني الإنسانية، كالأمانة وكتمان الأسرار، من حياة الناس، وتحولت الحياة الاجتماعية إلى جحيم لا يطاق.
وقال الشاعر:
فلا تنطِق بسرك كلُّ سرٍّ * * * إذا ما جاوز الاثنين فاشي
فإن حفظ الأسرار أمانة كبرى يجب رعايتها، والحذر من إفشاء يُعَدُّ كشفُها خيانة .