الشيخ سعود الشريم : ما بعد رمضان !!!!
5 أكتوبر، 2010، الساعة 06:06 م
خطبة الجمعة 4 شوال 1429هـ
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي العزة والجلال، الكبير المتعال، له الأسماء الحسني وصفات الكمال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي كل مؤمن ومؤمنة، ومن يرده الله بسوء فلا مرد له وما له من دونه من وال، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، أصدق من عمل وقال، يعجبه الفأل ويكره القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى الصحب والآل، ومن سار على طريقهم واتبع نهجهم إلى يوم المآل وسلم تسليماً كثيراً .أما بعد : فاوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله سبحانه ولزوم طاعته في المنشط والمكره والغضب والرضا والخلوة والجلوة، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسراً . أيها الناس : كأن شيئا لم يكن، قد انقضى ومضى ما مضى، فقد مضت أيام تمر مر السحاب عشية تمضي وتأتي بكرة، والزمن يجري بسرعة عجيبة، وحياة الإنسان كحبل ممدود، لا يدرى متى ينقطع، والكيس الفطن من لا يلتفت إلى الماضي استعباراً لما فيه فيقنط، أو حزنا عليه فيكسل، ولا يتلهف إلى المستقبل يريد أن يعرفه قبل أوانه، فلذة الماضي وشدته منسية وأما الغد فالجميع منا فيه على خطر الغيب، فما هو إلا اليوم والساعة التي نحن فيها، وما لنا فيما مضى إلا الاعتبار والا دكار ، وأن من يعش يكبر ومن يكبر يمت، والمنايا لا تبال ما أتت، وأن كل اجتماع فإلي افتراق وأن الدهر ذو فتح وذو إغلاق . قد انصرم شهر رمضان وانمحى، واختل نظامه بعد أن كان قد اتسق ، لقد كان بين أيدينا وملء أسماعنا وأبصارنا حتى انقضى موسم التقوى، وهدأ تغريد بلابل الروح فيه، وتلاشت ذكرياته وكأن أوراق الخريف عصفت بها الريح على أمر قد قدر . عباد الله : لئن انتهى شهر رمضان المبارك بما فيه من بحار الفضائل و أنهار الشمائل فإن فضائل الطاعة لا تنقطع ولا تنتهي ومن كان يعبد الله في رمضان فإن الله حي لا يموت ، وهو رب الشهور كلها ، ومن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد ولى وانصرم ،و لذا كان من المؤسف لكل تقي نقي أن يرى مظاهر الكسل والفتور والتراجع عن الطاعة والتزامها والشعور بها ، ظاهرة لكل بصيرة بعد انسلاخ الشهر المبارك، وكأن الدين كله محصور في رمضان .نعم لشهر رمضان المبارك ، ميزة جلى على بقية الشهور لا يوجد في غيره من الشهور كما هي الحال في رمضان، وتلاوة القرآن قد حض عليه الشارع الكريم في غير رمضان أيضاً ، ولذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان جواداً طيلة حياته وكان جوده يزداد في رمضان ، ولئن كان في شهر رمضام ليلة القدر التي من صامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، فإن في بقية السنة أعمالاً تماثل هذا العمل ، فقد روى الشيخان في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: " من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر " وروى الشيخان أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم : " من توضأ مثل وضوئي هذا ثم صل ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه " فهذان الحديثان وغيرهما فيهما ما يدل على أن بعض الأعمال لها من الخير مثل من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ، وقد صح عند مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال : "يكفر السنة الماضية والباقية " الحديث . وبعد يا رعاكم الله : فإنه إذا كان فعل السيئة قبيحاً في نظر الإسلام فما أشنعه وأقبحه بعد فعل الحسنات ، فلئن كانت الحسنات يذهبن السيئات فإن السيئات تعكر الأعمال الص الحة وتزاحمها، ولقد استعاذ نبينا صلى الله عليه وسلم من الحور بعد الكور، وقد قال الله جل )) : وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ )) [النحل : 92]ولذا عباد الله فإن من وقع في التقصير بعد التمام أو تمكنت منه الذنوب بعد الإقلاع عنها، لهو ممن باعد نفسه عن الفوز بالطاعة، ولو خص نفسه بعبادة موسمية إذا كان مسلوباً لذة المناجاة وحلاوة التعبد، خلافاً لرجال مؤمنين ونساء مؤمنات من عباد الشهور كلها شوالهم كرمضانهم والتقرب إلى الله عندهم لا ينقطع إلا بالموت (( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ )) [الحجر : 99] لقد سمعت الآن ايها المسلم ، لقد سمعت الآن أيها المسلم وعرفت ولقد أحسن من انتهى إلى ما سمع وعرف، ولقد ذقت شيئاً من طعم العبادة في رمضان فلا تعكرن هذا الطعم بما يشينه، وعليك بالدوام وإن قل فليست العبرة بالكم، وإنما هي بالكيف ، فقد قال سبحانه : (( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ )) [الملك : 2] - . ولم يقل أكثر عملاً ، فإن المداومة على القليل تحض بإذنلله على الفترة بعد الشرة ، ولقد قال صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل رواه البخاري ومسلم . قد قلت ما قلت فإن صواباً فمن الله وإن خطأ فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله إنه كان غفاراً .
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد : فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ثم اعلموا رحمكم الله أن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد شرع لكم صيام الست من شوال، وجعل ذلك من متابعة الإحسان بالإحسان، فلقد قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر كله "رواه مسلمووجه كون صيام الست بعد رمضان كصيام الدهر هو أن الله جل وعلا جعل الحسنة بعشر أمثالها، فصيام رمضان يضاعف بعشرة شهور، وصيام ال ست بستين يوما، وهو حاصل ضرب ستين بعشرة، فصار المجموع إثني عشر شهرا، عدة السنة كاملة . والأفضل في هذه الست أن تكون بعد العيد مباشرة متتالية، ولا بأس بالتفريق والتأخير إلى آخر الشهر، وصيامها سنة وليس واجبا، ومن كان مواظبا عليها في كل عام فمرض أو سافر في ال عام الآخر فلم يصمها بسبب السفر أو المرض كتبت له فضلا من الله ومنة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا مرض العبد أو سافر كتبه له ما كان يعمله صحيحا مقيما " رواه البخاريكما أنه يجب تقديم القضاء على صيام الست، ولا وجه لمن أجاز التأخير بحجة أن عائشة رضي الله عنها كانت تؤخر القضاء إلى شعبان لأجل النبي صلى الله عليه، وقول إن عائشة رضي الله عنها لا يتصور منها ترك هذه الفضيلة، فيقال : كيف تترك القضاء وهو الأوجب لحاجة النبي صلى الله لعيه وسلم ثم هي تأتي بالنفل وحاجة النبي صلى الله عليه وسلم ما زالت قائمة؟ثم إن من لم يكمل القضاء لا يصدق عليه أنه صام رمضان، بدليل أن من صام يوما من رمضان ثم أفطر بقية الشهر لعذر ثم زال عنه العذر في شوال فلا يمكن أن يقال ابدأ بست من شوال قبل فوات الآوان ثم تأتي بالقضاء بعد ذلك ، فإن هذا من التكلف فيما لا ينبغي، كما أن من قام بعض الليالي في رمضان وترك بقية الليالي لا يصدق عليه أنه قام رمضان إيمانا واحتسابا، ثم إنه قد يخطئبعض من يشوش على الناس في مسألة صيام الست من شوال، وينقل عن بعض أهل العلم أنهم لا يرون سنية صيام الست من شوال خوفا من أن تلحق برمضان وهي ليست منه، أو بما نقل عن بعض السلف أنهم لا يصومونها ، غير أن العبرة بالحديث الصحيح، فلا ندع قول النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الرجال , (( َمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) [الحشر : 7]هذا وصلوا رحكم الله على خير البرية وأزكى البشرية، محمد بن عبد الله صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم اللهبأمر وثنى بملائكته المسبحة بقدسه وأيه بكم أيها المؤمنون فقال جل وعلا : (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً )) [الأحزاب : 56] وقال صلوات الله وسلامه عليه " من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا" اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمدوعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، وارض عن خلفاءه الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر صاحبة نبيك محمد، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك وجودكوكرمكم يا أرحم الراحمين، اللهم أعز الإسلام والمسملين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرض ى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره يا سميع الدعاء.اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم ، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لا تمنعنا خير ما عندك بشر ما عندنا يا ذا الجلال والإكرام، الله آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .