ولد الإمام الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خُوَاسْتَى العبسي بالكوفة سنة (159 هـ)، وكانت نشأته ووفاته بها، غير أنه رحل منها إلى بعض الأقطار الأخرى كالبصرة وبغداد والحجاز لطلب العلم وسماع الحديث، ثم عاد إليها، وقد اشتهر بـ"ابن أبي شيبة" نسبة إلى جده القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الكوفي.
نشأ في بيت علم وفضل، وكان سليل عائلة علمية مشهورة، بدءا بجدّه القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان الكوفي، مرورا بأخويه: الحافظ عثمان بن أبي شيبة، والقاسم بن أبي شيبة، ووصولا إلى ولده: الحافظ إبراهيم بن أبي بكر، وابن أخيه: الحافظ أبو جعفر محمد بن عثمان، فهم بحقٍّ بيت علم وفضل، وأبو بكر أجلّهم -كما ذكر الإمام الذهبي-، يقول يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني: "أولاد ابن أبي شيبة من أهل العلم، كانوا يزاحموننا عند كل محدث".
بدأ طلب العلم في وقت مبكر من حياته، يقول الإمام الذهبي: "طلب أبو بكر العلم وهو صبي، وأكبر شيخ له هو شريك بن عبد الله القاضي، سمع منه ومن أبي الأحوص سلام بن سليم، وعبد السلام بن حرب، وعبد الله بن المبارك، وجرير بن عبد الحميد، وأبي خالد الأحمر، وسفيان بن عيينة.. وخلق كثير بالعراق والحجاز وغير ذلك".
كان من أقران الأئمة المشهورين: أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني سناً وعلماً، وقد حدث عنه: الشيخان، وأبو داود، وابن ماجه، وروى النسائي عن أصحابه، ولا شيء له في جامع الترمذي، وروى عنه أيضا: محمد بن سعد الكاتب، ومحمد بن يحيى، وأحمد ابن حنبل، وأبو زرعة، وأبو بكر بن أبي عاصم، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم.
مناقبه وثناء الأئمة عليه
كان إماما حافظا متقنا، صنف كتبا عديدة، أشهرها: المسند والأحكام والتفسير، وكان نعت الإمام الذهبي له في السير بقوله: "الإمام العَلَم، سيد الحفاظ وصاحب الكتب الكبار".
وأما الإمام ابن حبان فقد قال عنه: "كان متقناً حافظاً ديّناً، ممن كتب وجمع وصنّف وذاكر"، ويقول عنه الإمام أبو عبيد: "ربانيو الحديث أربعة: فأعلمهم بالحلال والحرام أحمد بن حنبل، وأحسنهم سياقة للحديث وأداء علي بن المديني، وأحسنهم وضعا لكتاب أبو بكر بن أبي شيبة، وأعلمهم بصحيح الحديث وسقيمه يحيى بن معين".
وقفات مع سيرته
أهم ما يمكن أن نقف عليه في حياة الإمام الحـافظ أبي بكر ابن أبي شيبة الكـوفـي - رحمه الله -:
إمامته في السنة والدعوة: كان له باع طويل في الرد على الخوارج والمرجئة، وقد ذكر الإمام اللالكائي بعض ردوده على المبتدعة، كما جعله ضمن أئمة أهل السنة الذين رُسِموا بالإمامة في السنة والدعوة والهداية إلى طريق الاستقامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
سعة حفظه وشدة ضبطه: كان بحرا من بحور العلم، وبه يضرب المثل في قوة الحفظ، يقول عنه الإمام الذهبي في تذكرة الحفاظ: "الحافظ عديم النظير، الثبت النِّحرير"، ويقول عنه الحافظ ابن عبد الهادي: "الحافظ الثبت، العديم النظير"، ويقول عمرو بن علي الفلاس: "ما رأيت أحدا أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة، قدم علينا مع علي بن المديني فسرد للشيباني أربع مائة حديث حفظا وقام"، ويقول الإمام أبو عبيد: "انتهى الحديث إلى أربعة: فأبو بكر بن أبي شيبة أسردهم له، وأحمد بن حنبل أفقههم فيه، ويحيى بن معين أجمعهم له، وعلي بن المديني أعلمهم به".
وفاته
توفي الإمام أبو بكر ابن أبي شيبة بالكوفة ليلة الخميس، لثمان مضت من المحرم، سنة خمس وثلاثين ومائتين من الهجرة النبوية الشريفة، وله من العمر ستا وسبعين سنة، رحمه الله رحمة واسعة.
م/ن