أحبتنا الأعزاء: إن الحسرة لتغشانا، وإن الأسى ليخيم علينا؛ حين نقرأ دفتر التاريخ، ونقارن أنفسنا بأولئك الرجال الذين كانت تتغير أحوالهم، وتستقيم حياتهم؛ عندما يتلون كتاب الله - تعالى -، بل عندما يذكَّرون بآية واحدة، أو يوعظون بقطعة من آية فتجدهم يبكون ويتأثرون، وكيف لا يكون ذلك وقد وصف الله هذا الكتاب فقال: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}1 فكيف بقلوب من لحم ودم؟!.
لكن أين قلوبنا نحن؟! وأين تأثرنا بهذا القرآن العظيم؟! نقرأه عشرات المرات، ونخرج منه كما دخلنا إليه، فإلى الله نشكو قسوة في قلوبنا، ونسأله أن يفك أسرها لتدبر كلامه.
وهنا أيها المسلم الحبيب بعض من الوصايا الغالية،.والتي ستكون - بإذن الله - عوناً لك على تدبر كلام الله - تعالى -:
1- احرص على أن تكون التلاوة في الليل وقد هجع الناس، وهدأت الأصوات، وخفت الضجيج لقول الحق - سبحانه -: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا}2.
2- أن تقرأ السورة وتتمثل في نفسك أنها نزلت لك خاصة.
3- أن تقرأ الآية كلمة كلمة، وكل كلمة لم تفهما تسارع إلى كتب التفسير الميسرة، ولا تتعداها حتى تفهم معناها، وتطلع على بعض أسرارها، "ويكون بيد طالب العلم المبتدئ بعض التفاسير الموثقة المختصرة جدًا؛ لَأَنَّ كثرة التفاريع تُذْهِب عليه وقته لأنه لا يستوعب"3.
4- يستحب بعض العلماء أن تكون هذه القراءة في صلاة كقيام الليل لأنه قد جاءت نصوص تمدح هؤلاء الذين يقيمون الصلاة بالقرآن كقوله - تعالى -: {لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ}4.5
5- احرص على أن تكون قراءة التدبر هذه قراءة عن ظهر قلب لا نظراً في المصحف، بحيث يحصل التركيز التام، وانطباع الآيات عند القراءة.
6- أن تكون هذه القراءة قراءة خاصة غير قراءة التلاوة والمراجعة والحفظ.
7- يقول - تعالى -: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}6، فلا بد لتدبر القرآن من قلب خاشع، ولن تحصل ذلك إلا بأمرين:
الأول: دعاء الله - تعالى - أن يرزقك قلباً خاشعاً.
والثاني: مجاهدة النفس على استحضار القلب، ومحاولة نسيان شواغل الدنيا عند هذه التلاوة.
8- ربط الآيات بواقعك اليومي ونظرتك للحياة.
9- تكرار الآيات وترديدها.
10- الترتيل والترسل في القراءة، وعدم العجلة؛ إذ المقصود هو الفهم وليس الكم، وهذه مشكلة الكثيرين، وهم بهذا الاستعجال يفوتون على أنفسهم خيراً عظيماً.
11- الجهر بالقراءة ليقوى التركيز، ويكون التوصيل بجهتين بدلاً من واحدة أي الصورة والصوت.
هذه وسائل وأدوات يكمل بعضها بعضاً في تحقيق وتحصيل مستوى أعلى وأرفع في تدبر آيات القرآن الكريم والانتفاع والتأثر بها.
أيها المسلم الحبيب: "قف عند الباب حتى يفتح لك إن كنت تدرك عظمة ما تطلب، فإنه متى فُتح لك ستدخل إلى عالم لا تستطيع الكلمات أن تصفه، ولا العبارات أن تصور حقيقته، أما إن استعجلت وانصرفت فستحرم نفسك من كنز عظيم، وفرصة قد لا تدركها فيما تبقى من عمرك"7.
اللهم افتح قلوبنا لتدبر كلامك، ووفقنا للعمل بكتابك، واجعله جنتنا في الدنيا، وشفيعنا في الآخرة.
والحمد لله رب العالمين.
م/ن