لا توجد زوجة لم تسأل هذا السؤال حتى من لم يتزوج زوجها بأخرى فإنها تجعله سؤالا افتراضيًا "ماذا سوف يجد لو تزوج الثانية؟".
السؤال ليس دافعه الغيرة فقط أو الفضول ولكنه يبدو سؤالا معرفيًّا مستفزًا تريد المرأة في كل الأحوال معرفة إجابة شافية له، ربما أيضًا لتقوم بخطوة استباقية فتفعل مثلها وتصير هي الأولى والثانية والأخيرة.
كل يوم يثبت العلم الحديث أن الإنسان مخلوق بسيط جدًا لا يفرق كثيرًا عن أسلافه في أعماق التاريخ وأن كل ما أضافته الحضارة الحديثة إليه هو مجرد قشرة بسيطة قابلة للذوبان عند أي ضغط، وقد عاشت المرأة قرونًا مع زوجها باستخدام ملكات أنوثتها الفطرية وهي ما يسمى حاليًا (الذكاء العاطفي) الذي اختص الله سبحانه وتعالى المرأة بمقادير مضاعفة منه بالمقارنة بالرجل، ثم أضافت الحضارة لها التعليم والثقافة وحقوق المرأة وتنميتها؛ الزوجة الأولى تتعامل مع زوجها من منطلق تلك المفاهيم الحديثة ربما لاعتقادها أنها تقف على أرض صلبة وأنها دائمًا على حق، أما الثانية فهي لا تمتلك هذا الترف لأن وضعها حرج وعلى المحك دائمًا، ولذلك فهي تتجاوز تلك القشرة وتتعامل بذكائها الأنثوي الفطري.
ليس معنى ذلك أن الثانية دائمًا هي الأذكى ولكنها ضغوط ظروفها، ولأنها تعرف أنه لا وقت للجدل، وأيضًا لتثبت لزوجها أن اختياره كان صائبًا، كما أنها كثيرًا ما تكون مطلقة وقد جربت الأسلحة الحديثة كلها في زواجها الأول وعرفت بالتجربة أنها أسلحة فاسدة وفشنك تصيب الرجل بالصداع فقط ولكنها قلما تصيب أهدافها، يشبه الأمر طالب يعيد السنة ولذلك عرف أنه لا داعِ لإضاعة الوقت في قراءة المقدمة والحواشي وأن عليه فقط أن يركز على مواطن الأسئلة والنقاط الهامة.
مثال متكرر وبسيط: تجلس الزوجة بعد أن أنهت أعمالها على خير وجه لمتابعة برنامجها التلفزيوني المفضل وهي تبتسم وكوب الشاي في يدها، يدخل الزوج من الخارج مكفهرًا لأسباب تخصه (خناقة في المواصلات -متاعب في العمل- التفكير في الأمور المالية)، يستفزه استرخاء زوجته وكأنها لا تبالي فيقول كلمتين "أليس لديك شيئًا نافعًا غير التلفزيون؟!".
تنطلق الزوجة مدافعة وقد شعرت بالإحباط والإهانة: "الجارية التي اشتريتها أنهت كل أعمالها وتجلس لترتاح قليلا في انتظار سيدها، من حقي أن أشاهد برنامجي المفضل والغداء في المطبخ ادخل حضر لنفسك، لو كلمتني بهذه الطريقة سوف أترك لك البيت، هذه لم تعد حياة لائقة بالبشر، دعني في حالي حتى لا أفتح معك القديم والجديد أحسن لك"، هناك أشياء أسوأ كثيرًا تقال في مثل تلك المواقف التي تتطور أحيانًا بشكل مفاجئ إلى ما لا يريده الطرفان.
السيناريو الذكي هو أن تقوم بإطفاء التلفزيون وتبدأ في تحضير الطعام في هدوء، فيبادرها الزوج بسرد متاعبه تعلق قليلا، يسألها: "ماذا كنت تشاهدين؟!"، وفي المساء عند إعادة البرنامج يجلس معها لمشاهدته ويتبادلان التعليقات ويندمجان معًا في عالم معرفي واحد يزيد الرابطة بينهما.
ما يهمني هنا أكثر من السيناريو الذكي هو (عالم معرفي واحد يجمعهما)، هذا بالضبط ما يجده الرجل عند المرأة الذكية، الحياة معها تشبه اثنان يشجعان نفس الفريق ويتحدان معا ويستمتعان به، وهذا ما يعبر عنه الرجل في الرد على سؤال المقال ماذا وجد لديها؟ "إنها تفهمني، أشعر معها بالراحة، أشعر أنني غير مضغوط أو مهدد، أستمتع بوقتي معها".
لا يكفي أن يستمتع بصحبتها فقط فهذا جزء تمهيدي في أول الزواج، المهم أن يكون هناك برنامج حياة يجمعهما، كانت النساء الفطريات تعرف ذلك وتمارسه بسهولة وتلقائية، تعرف كيف تستخدم ملكاتها في دمج زوجها في النسيج الأسري، وبعد مجيء الأبناء تمارس معهم نفس الدور يتم غزل خيوطهم في نفس النسيج فتصبح الأسرة يدًا واحدة وفريقًا متناغمًا وتصبح الحياة بكل أحداثها حتى الأليمة والمزعجة حالة إنسانية راقية تعيشها الأسرة وتتبادل من خلالها كل المشاعر العميقة، من الحزن إلى الفرح ولكنها جميعًا مغلفة بطعم الحب.
لسنا بصدد الترويج للثانية والعنوان فقط لاستنفار الزوجات ويمكن الآن تعديل السؤال إلى مقصده الأعمق والأدق، ماذا وجد الرجل لدى الزوجة التي يحبها؟!
وجد لب المرأة دون قشورها وجمال زهورها دون أشواكها، وجد امرأة ناجحة ومشغولة دائمًا بكل نافع ومفيد ولكن ابتسامتها تسبقها عندما يحتاجها، وجد صديقة مقربة وزميلة مفضلة تعرف جيدًا متى تقترب ومتى يكون من الأفضل أن تبتعد لتتجدد، وجد مسلسلا جذابًا يتابع حلقاته التي لا تنتهي بكل ما فيها من دراما صادقة وتخصه وحده، ولذلك تمسك بها رغم أنها قد لا تكون الأجمل والأفضل والأكثر تعليمًا والأفدح تضحية وكل مميزات أفعل التفضيل؛ إذ أنه يكفيه أنها الأكثر اندماجًا في عالمه ذلك العالم الذي بنته معه.
ليست أبدًا دعوة للتخلي عن مكتسبات الحضارة والعودة لعصر الجواري، بل إنها دعوة للتمسك بتلك المكتسبات ودمجها في برنامجنا اليوم ولكن برفق وذكاء وعن طريق خفض الرأس قليلا كلما هب الإعصار حتى يمر، وبعدها سوف يزداد الرأس ارتفاعًا ويقوى الجناح على المزيد من العلو، وذلك ما تفعله اليمامة عند تحليقها في الجو رغم هبوب الريح.
م/ن