بسم الله الرحمان الرحيم وبه استعين
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله
صلاة التراويح
سميت صلاة “التراويح” بهذا الاسم لأن الذي يصليها يستريح بالجلوس عقب كل أربع ركعات، وتُعد هذه الصلاة من قيام الليل، وحكمها انها سنة مؤكدة للرجال والنسا، علي رأي الجمهور، ويُسنّ أداؤها جماعة، وهذا يعني انه يجوز شرعاً ان تؤدى فرادى، كما يجوز شرعاً ان تؤدى في البيت كما تؤدى في المسجد.
ثبتت مشروعية التراويح من خلال فعل النبي صلى الله عليه وسلم معه، والمعلوم ان السنة العملية أقوى في المرتبة من السنة القولية والسنة التقريرية، فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من جوف الليل فصلى في المسجد فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس يتحدثون بذلك فاجتمع اكثر منهم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثانية فصلوا بصلاته فأصبح الناس يذكرون ذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج فصلوا بصلاته. فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله، فلم يخرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفق رجال منهم يقولون: الصلاة. فلم يخرج اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خرج لصلاة الفجر. فلما قضى الفجر أقبل على الناس ثم تشهد فقال: “أما بعد، فإنه لم يخف عليْ شأنكم الليلة، ولكني خشيت ان تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها، وذلك في رمضان، “رواه البخاري ومسلم. ومعنى (صلى رجال بصلاته) أي صلوا خلفه واقتدوا به، ومعنى (عجز المسجد عن أهله) أي اكتظ وامتلأ بالمصلين. ومعنى “خشيت ان تفرض عليكم” اي ان صلاة التراويح ليست فرضاً. وفي حديث نبوي شريف آخر “فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة”، رواه البخاري ومسلم عن الصحابى الجليل النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: قمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان ليلة ثلاث وعشرين الى ثلث الليل الاول، ثم قمنا مع ليلة خمس وعشرين الى نصف الليل، ثم قمنا معه ليلة سبع وعشرين حتى ظننا ان لا ندرك الفلاح، وكانوا يسمونه السحور” رواه النسائي وإسناده صحيح. وبالاستدلال بهذه الأحاديث النبوية الشريفة جمهور الفقهاء يرون بأن صلاة التراويح سنة مؤكدة، وهناك رأي آخر بأنها سنة نافلة غير مؤكدة.
حدّد بعض الفقهاء عدد ركعات التراويح بثماني ركعات استناداً للحديث النبوي الشريف الذي رواه الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنهما “انه صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثماني ركعات والوتر” رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيْهما. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها “ان النبي صلى الله عليه وسلم” ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة. يصلي أربعآً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن. ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن. ثم يصلي ثلاثا” رواه البخاري. وقولها “يصلي أربعا” لا ينفي انه “عليه الصلاة والسلام” كان يسلم بعد كل ركعتين، لقوله صلى الله عليه وسلم “صلاة الليل: مثنى، مثنى” متفق عليه عن الصحابي الجليل عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. وإنما ذكرت “يصلي أربعاً” لأن هناك استراحة بعد الأربع ركعات. وقولها “يصلي ثلاثاً” اي يصلي ركعتين شفعاً ويسلم، ويوتر بركعة واحدة. وكان الصحابة رضوان الله عليهم يكملون ما شاء لهم ان يصلوا في بيوتهم، وكان يُسمع لهم أزيز كأزيز النحل. هذا وذهب فريق آخر من الفقهاء الى ان عدد ركعات التراويح عشرون ركعة. لأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صلاها عشرين ركعة، وألزم الناس على جماعة واحدة، ولم يخالف أو يعترض أحد من الصحابة في ذلك. وكذلك الامر في خلافة كل من عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما. وقد وثّق هذا الرأي الإمام البخاري في صحيحه، والإمام مالك في الموطأ من طرق عدة. وهذا رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة، وبه قال الثوري وابن المبارك..
أما المالكية فإنهم يقولون إن عدد ركعات التراويح ست وثلاثون ركعة.
وعليه يمكن للمسلم ان يصلي التراويح ثماني ركعات جماعة في المسجد ويكملها إلى العشرين في بيته، أو يكتفي بالثماني ركعات، أو يصلي العشرين ركعة جماعة في المسجد، فالتراويح من الصلوات التطوعية النافلة. فالمسلم له الخيار في ذلك ما دام الموضوع لم يخرج من دائرة التنفل والتطوع في العبادات. ولا يجوز ان يكون الاختلاف في الروايات مبعثاً ومبرراً للمشادات والخلافات بين الناس. وصدق رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم بقوله “.. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ” رواه أبو داود والترمذي عن الصحابي الجليل أبي نجيح العرباض بن سارية السلمي رضي الله عنه.
وتصلي التراويح وقت العشاء “أي بعد غروب الشفق.. الأحمر الى آخر الليل” ولكن تؤدى بعد أداء صلاة العشاء وقبل صلاة الوتر. ويمكن لمن أدى صلاة الوتر ان ينام بعدها ويستأنف ما شاء من التهجد ثم يوتر مرة اخرى.