الاتباع: اقتفاء الأثر، يقال: تبعه واتَّبعه، فتارة يكون بالجسم نحو: تبعته في الطريق، واتبعته فيها. وتارة بالامتثال.
وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم باتباع ما أوحى إليه فقال في آخر سورة يونس (10/مصحف، 51/تنزيل ): (وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ(109). قال ابن كثير: أي تمسك بما أنزل الله عليك وأوحاه إليك واصبر على مخالفة من خالفك من الناس (حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ) أي: يفتح بينك وبينهم، (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) أي: خير الفاتحين بعدله وحكمته.
وقال الشيخ السعدي ـ رحمه الله ـ:
(وَاتَّبِعْ) أيها الرسول (مَا يُوحَى إِلَيْكَ) علماً، وعملاً، وحالاً، ودعوةً إليه، (وَاصْبِرْ) على ذلك فإن هذا أعلى أنواع الصبر، وأن عاقبته حميدة، فلا تكسل، ولا تضجر، بل دم على ذلك واثبت.
قلت: فلله الحمد والمنَّة، فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم ليس بالأمر السهل الذي يتصوره البعض إن لم يتبع بالبصيرة في منهج الله في تعبده والتذلل له بالطاعة، فهو منهج الحق ومنهج الأنبياء ومنهج السلف الصالح الذين اتبعوا بإحسان، وإلا فمن أين له الثبات إن لم يكن صبوراً على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، صبوراً على ما يلقى من المكذبين والمبتدعة في الدين لأن عاقبة ذلك النصر المبين، إن شاء الله رب العالمين. لذا ختم الله تعالى الآية بقوله: (حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ).قال السعدي: أي: حتى يحكم بينك وبين من كذبك، فإن حكمه مشتمل على العدل التام، والقسط الذي يحمد عليه، وقد امتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه وثبت على الصراط المستقيم، حتى أظهر الله دينه على سائر الأديان، ونصره على أعدائه بالسيف والسنان بعد ما نصره عليهم بالحجة والبرهان.
وللبقاعي في "نظم الدرر" لفتة لطيفة: قال ـ رحمه الله ـ:
أعلمت هذه الآية أن من اتبع الوحي ابتلي بما ينبغي الصبر عليه، وأفهمت أن من كان له أشد اتباعاً كان أشد بلاء.
وفي سورة الأنعام (6/مصحف، 55/تنزيل ) قال الله تعالى: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ(106). قال ابن كثير: أي اقتد به واقتف أثره واعمل به، فإن ما أوحي إليك من ربك هو الحق الذي لا مرية فيه لأنه لا إله إلا هو.
وقال تعالى في سورة الجاثية (45/مصحف، 65/تنزيل): (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ(18).
وقال تعالى في سورة الأحزاب وهي سورة مدنية (33/مصحف، 90/تنزيل): (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا(1) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(2). قال ابن كثير: هذا تنبيه بالأعلى على الأدنى فإنه تعالى إذا كان يأمر عبده ورسوله بهذا فلأن يأتمر من دونه بذلك بطريق الأولى والأحرى، وقد قال طلق بن حبيب: التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله مخافة عذاب الله.
وقوله تعالى: (وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ) أي: لا تسمع منهم ولا تستشرهم. (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) أي: فهو أحق أن تتبع أوامره وتطيعه فإنه عليم بعواقب الأمور، حكيم في أقواله وأفعاله.
ولهذا قال تعالى:( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) أي: القرآن والسنة.
قال الإمام الشافعي في " الرسالة ": ولا يخفى على العاقل أن في أمر الله نبيَّه باتباع ما أوحى إليه أمراً لنا.
م/ن