12ـ إن الرضا ينزل عليه السكينة التي لا أنفع له منها , ومتى نزلت عليه السكينة : استقام وصلحت أحواله وصلح باله .
13ـ وإن السخط يُوجب تلون العبد , وعدم ثباته مع الله , فإنه لا يرضي إلا بما يلائم طبعه ونفسه , والمقادير تجري دائماً بما يلائمه وبما لا يلائمه , وكلما جري عليه منها ما لا يلائمه أسخطه , فلا تثبت له قدم علي العبودية .
ورحم الله القائل :
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البالِ
ما بين طرفة عين وانتباهتها
يغير الله من حالٍ إلي حالِ
14ـ إن السخط يفتح عليه باب الشك في الله , وقضائه وقدره , وحكمته وعلمه , فقلَّ أن يسلم الساخط من شك يداخل قلبه ويتغلل فيه .
15ـ إن الرضا بالمقدور من سعادة ابن آدم , وسخطه من شقاوته .
16ـ إن الرضا يوجب له أن لا يأسي علي ما فاته , ولا يفرح بما آتاه الله وذلك من أفضل الإيمان .
17ـ إن من ملأ قلبه من الرضا بالقدر, ملأ الله صدره غنيً وأمناً وقناعة فالرضا يفرغ القلب لله , والسخط يفرغ القلب من الله .
18ـ إن الرضا يُثمر الشكر , الذي هو من أعلي مقامات الإيمان , بل هو حقيقة الإيمان , والسخط يثمر ضده , وهو كفر النعم , وربما أثمر له كفر المنعم .
19ـ إن الرضا ينفي عنه آفات الحرص والكلب علي الدنيا , وذلك رأس كل خطيئة , وأصل كل بلية , وأساس كل رزية , فرضاه عن ربه في جميع الحالات ينفي عنه مادة هذه الآفات .
20ـ إن الرضا يخرج الهوى من القلب , فالراضي هواء تبعٌ لمراد ربه تبارك وتعالي .
21ـ إن الرضا بالقضاء أشق شيء علي النفس , بل هو ذبحها في الحقيقة , ولا تصير مطمئنة قط حتى ترضي بالقضاء , فحينئذ تستحق أن يُقال لها :
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} ( 27 ــ30 ) سورة الفجر .
22ـ إن المخالفات كلها أصلها من عدم الرضا , والطاعات كلها أصلها من الرضا .
23ـ إن عدم الرضا يفتح باب البدعة , والرضا يغلق عنه ذلك الباب .
24ـ إن الرضا يخلص العبد من مخاصمة الرب تعالي في أحكامه وأقضيته , فإن السخط عليه مخاصمة له فيما لم يرض به العبد , وأصل مخاصمة إبليس لربه , من عدم رضاه بأقضيته وأحكامه الدينية والكونية .
25ـ إن كل قدر يكرهه العبد ولا يلائمه لا يخلو من أمرين :
الأول : إما أن يكون عقوبة علي الذنب فهو دواء لمرض لولا أن تدارك الحكيم إياه بالدواء لترامي به المرض إلي الهلاك .
ثانياً : أو يكون سبباً لنعمة لا تُنال إلا بذلك المكروه , فالمكروه ينقطع ويتلاشي , وما يترتب عليه من النعمة دائم لا ينقطع . فإذا شهد العبد هذين الأمرين انفتح له باب الرضا عن ربه في كل ما يقضيه له ويقدره .
26ـ أن يعلم أن منع الله سبحانه وتعالي لعبده المؤمن المحب عطاء وابتلاءه إياه عافية .
قال سفيان الثوري ـ رحمه الله ـ ( منعه عطاء ) .
27ـ إن رضا الله عن العبد أكبر من الجنة ـ كما تقدم .
28ـ إن الرضا آخذ بزمام مقامات الدين كلها , وهو روحها وحياتها , فإنه روح التوكل وحقيقته , ورُوح اليقين , وروح المحبة , وصحة المحب , ودليل صدق المحبة , وروح الشكر ودليله .
29ـ إن الرضا يفتح باب حُسن الخلق مع الله تعالي , ومع الناس ., فإن حُسن الخلق من الرضا , وسوء الخُلق من السخط .
30ـ إن النبي [ صلي الله عليه وسلم ] سأل الله تعالي الرضا بالقضاء ، كما روي الإمام أحمد في مسنده وأصحاب السنن ـ فقال : ( اللهم بعلمِك الغيب , وقدرتك علي الخلق , أحيني إذا كانت الحياة خيراً لي , وتوّفني إذا كانت الوفاة خيراً لي , وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة , وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضا , وأسألك القصد في الفقر والغني , وأسألك نعيماً لا ينفد , وأسألك قُرة عين لا تنقطع , وأسألك الرضا بعد القضاء , وأسألك برد العيش بعد الموت , وأسألك لذة النظر إلي وجهك الكريم , وأسألك الشوق إلي لقائك في غير ضراء مضرّة , ولا فتنة مضلّة , اللهم زينا بزينة الإيمان , واجعلنا هداة مهتدين ) .
31ـ إن الرضا يفرغ قلب العبد , ويقلل همّه وغمّه , فيتفرغ لعبادة ربه .
فقد ذكر ابن أبي الدنيا ( رحمه الله ) عن بشر بن بشار المجاشعي ـ وكان من العلماء ـ قال : قلت لعابد : أوصني
قال : ألق بنفسك مع القدر حيث ألقاك , فهو أحري أن يفرغ قلبك , ويُقلّل همك . وإيّاك أن تسخط ذلك , فيحل بك السخط وأنت عنه في غفلة لا تشعر به فليقيك مع الذين سخط الله عليهم .
وكان الخليفة الخامس : عمر بن عبد العزيز كثيراً ما يدعو : ( اللهم رضِّني بقضائك , وبارك لي في قدرك , حتى لا أحب تعجيل شيء أخرنه , ولا تأخير شيء عجلته ) .
32ـ إن أهل الرضا من أسرع الناس مروراً علي الصراط فعن وهب بن منبه ( رحمه الله ) قال : ( وجدت في زبور آل داود : هل تدري مَن أسرع الناس مرّاً علي الصراط ؟
الذين يرضون بحكمي , وألسنتهم رطبة من ذكري
هل تدري أي الفقراء أفضل ؟
الذين يرضون بحكمي وبقسمي , ويحمدوني علي ما أنعمت عليهم
هل تدري أي المؤمنين أعظم منزلة عندي ؟
الذي هو بما أعطي أشد فرحاً منه بما حبس .
اللهم ارضى عنا ورضنا عنك وارزقنا خشيتك فى السر والعلن وجعلناممن قلت فيهم ان الذين ءامنوا وعملو الصاحات أوالئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذالك لمن خشى ربه (7_8) سورة البينة
م/ن