بيان معنى التدليس:
التدليس جاء من الدلسة وهى الظلمة
واصلها ان يظهر الشىء
بصورة تدفع الناظر اليها إلى اقتنائها
وهى فى الحقيقة غير ذلك
ومنه تدليس البيع وهو اظهار السلعة بمظهر جميل
وبذلك فإن التدليس نوع من أنواع الحجب والاخفاء
والتدليس فى الحديث له خطورة كبيرة
تتضح عند تطبيق الاعمال
التى لم يبينها النبى صلى الله عيه وسلم
فهو يجعل الضعيف فى نظر الناظر صحيح.
*************
التدليس عند المحدثين:
التدليس عند المحدثين هو ان يروى الراوى
عمن لم يلقه بلفظ يحتمل اللقى من عدمه
حيث اذا قرأه قارىء
قال ان هذا الراوى روى عنه مباشرة
والامر يكون بالعكس تماما
ومثال ذلك ان نقول قال فلان كذ
او عنه انه قال كذا,
فهذه الصيغ تحتمل اللقى وعدمه
فمثلاً نحن نقول قال ابن القيم كذا
ومعلوم اننا لم نلقه
ونقول فى نفس الوقت على فرد قابلنه قال كذا
فهذه الصيغ تحتمل اللقى وعدمه
*************
معنى الحديث المُدلس:
هو ما سقط من اسناده راوٍ لم يُسمه من حدث عنه
موهماً سماعه للحديث ممن لم يحدثه
بشرط معاصرته له
والتدليس له الكثير من الصور سنعمل على توضيحها
*************
صور التدليس:
التدليس ينقسم إلى ستة اقسام
واشهرها على الاطلاق تدليس الاسناد والشيوخ
كل قسم من هذه الاقسام له طريقة معينة
فى جعل السقيم صحيحاً
وسنعمل على التوضيح مع ذكر ما يناسب ذلك
من امثلة وتوضيح العلل الخفية فيها.
*************
(1)تدليس الاسناد:
هو ان يروى الراوى عن شيخه الذى سمع منه
ما لم يسمع منه
موهماً بذلك انه سمع منه ذلك الحديث
او يروى عمن عاصره ولم يلقه موهماً
انه قد لقيه وسمع منه وتكون الصيغة "
أن,عن"
ومثاله محمد بن اسحاق صاحب السيرة
وهو مدلس مشهور
وقد سمع من الزهرى وكان تلميذه
فإذا فرضنا أن محمد بن اسحاق سافر
فى وقت مجلس التحديث ولم يسمع الاحاديث
التى قالها الزهرى
وشيخه لا يعيد الاحاديث التى قالها
فأقرب شىء سيفعله أن يذهب إلى من سمع عن الزهرى
ليأخذ تلك الاحاديث
فأصبح بينه وبين الزهرى واسطة ويكون اسناده نازل
فيعمل على حذف من سمع منه ويحدث عن الزهرى مباشرة
حتى يكون الاسناد عالى
من ينظر فى الاسناد بهذه الطريقة لن يستطيع معرفة العلة
حيث ان محمد بن اسحاق من تلاميذ الزهرى
فمن الضرورى انه سمع منه
اما شرط قبول من يدلس هذا النوع من التدليس
ان يصرح بصيغ السماع فيقول
حدثنا او انبأنا او أخبرنا او سمعت .
*************
(2)تدليس الشيوخ:
هو ان يروى الراوى عن شيخه حديثاًسمعه منه
فيسميه او يكنيه او يصفه او ينسبه كى لا يُعرف
اما ان يكون بسبب ضعف هذا الشيخ
او بسبب ايهام العلماء بكثرة شيوخه الذين حدث عنهم
وكان ممن يفعلون هذا التدليس محمد بن السائب الكلبى
وشرط قبول حديث من يدلس هذا النوع التصريح بالسماع.
قال "البيقونى"
رحمه الله معلقاً على هذين النوعين:
الاول :الاسقاط للشيخ وأن
ينقل عمن فوقه بعن وأن
والثانى:لا يسقطه لكن يصف
أوصافه بما به لا ينعرف
*************
(3)تدليس التسوية:
هذا التدليس اكثر خفاءٍ من ذى قبل
ويحتاج إلى التوضيح
وصفته هى ان يعمد الراوى إلى شيخ شيخه
فيسقطه وذلك لضعفه
ويضع شيخ اخر يكون اكثر ثقة.
وكان ممن يفعلون ذلك بقية بن الوليد
وسنفرض له اسناد نمثل به هذا النوع
فقد كان من شيوخه حريز بن عثمان
وثور بن يزيد اما الاول فلا يحتج به واما الثانى
فثقة ثبت
والاسناد كالتالى :
بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن راوى ضعيف
عن ثوبان مولى النبى صلى الله عيه وسلم
فيعمل على حذف الراوى الضعيف
ويضع مكانه
راشد بن سعد وهو ثقة روى عنه
ثور بن يزيد فيكون الاسناد كالتالى:
بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد
عن راشد بن سعد عن ثوبان
فيكون الاسناد صحيح بهذا الشكل.
وشرط قبول حديث من يدلس هذا النوع من التدليس
ان يصرح بالسماع فى جميع طبقات السند
ومنهم من قال يصرح بالسماع فى شيخه وشيخ شيخه
وهو الراجح
ومن امثلة من يفعلون هذا النوع
الوليد بن مسلم
و الوليد بن صفوان
ومحمد بن المصفى وغيرهم
وقد ذكره الحافظ بن احمد بن على الحكمى
فى اللؤلؤ المكنون فى احوال الاسانيد والمتون
فقال
وحذفُهُ الضعيف بين الثقتين
وسمهِ تسويةً بدون مين
*************
(4)تدليس السكوت:
هو ان يروى الراوى فيقول حدثنا
ثم يسكت وينشغل بشىء ما
ويفقد السامع الانتباه ثم يتكلم فجأة
ويقول فلان ولم يسمع منه
وبذلك فأن تصريح هذا النوع من المدلسين
بالسماع ليس له قيمة
وفاعل هذا النوع يمحى اسمه من دواوين التحديث
وكان ممن يفعلون ذلك عمر بن على المقدمى
فيقول حدثنا ثم يسكت ثم يذكر هشام بن عروة
او سفيان بن عيينة
وفعل هذا النوع اثم يجب التوبة منه.
*************
(5)تدليس العطف:
هو ان يروى الراوى عن شيخ له فيقول حدثنى فلان
ثم يعطفه على شيخ لم يسمع منه فيقول وفلان
فمثلاً يقول حدثنى الوليد وشعبة
وهو فى الحقيقة سمع من الوليد فقط
ويتوهم القارىء او السامع انه سمع من الرجلين
ومن يرى اسناده يحكم عليه بالصحة
وكان ممن يفعلون ذلك هشيم بن بشير
وقد قال الحافظ بن احمد الحكمى فى هذا النوع:
ومنه ان يعطف شيخا ما سمع
منه على الشيخ الذى منه سمع
*************
(6)تدليس البلدان والاماكن:
هو ان يعمل الراوى بالتحديث عن راوى اخر
ينسب اليه مكان موهماً السامع او القارىء
انه رحل إلى ذلك المكان لطلب العلم
ويكون هذا المكان الذى قاله هو منطقة فى بلده.
والمثال على ذلك ان يقول الراوى حدثنى فلان بمصر
والمعروف ان مصر هى البلد المعروفة
ولكنها فى الحقيقة ليست مصر بل هى مكان فى بلدته
يسمى بذلك الاسم
وهذا النوع من التدليس يؤدى إلى اختلاف العلماء
فى الحكم على الراوى
وسببه هو ايهامه للعلماء بكثرة اسفاره لطلب العلم.
*************
#المدلس ليس بكذاب:
حيث انه لابد من التفرقة يين الكذاب والمدلس
فبينهم فرق شاسع فى المعنى والفعل
فالكذاب هو الذى يكذب كذباً مطلقاً
مثل الوضاع الذي يضع الاحاديث
وفاعل هذا الفعل فى النار لامحالة لحديث راوه جمعاً
من الصحابة وهو اصح الاحاديث المتواترة على الاطلاق
قال النبى صلى الله عليه وسلم
(من كذب على متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) .
اما المدلس فيعمل على اخفاء العلة فى الحديث
الذى يرويه
ولا يكذب مثلما يفعل الوضاع
ويعنن حديثه او يؤننه حتى لا يكون كاذب
اذا حدث بصيغ السماع فلو حدث بها لصار كاذباً.
*************
ايجاز ما تم ذكره من التدليس:
قال القاسمى رحمه الله(المُدلس)
هو ما سقط من إسناده راوٍِِ لم يسمه من حدث عنه
موهماً سماعه للحديث ممن لم يحدثه,بشرط المعاصرة ,
فإن لم يكن عاصره فليست الراويه عنه تدليساً على المشهور
ومن التدليس ان يسقط الراوى شيخ شيخه
أو اعلى منه لكونه ضعيفاً وشيخه الذى حدث عنه ثقة .
ومنه ان يُسمى شيخه او يكنيه او يصفه بما لا يُعرف
وان كان العامل على ذلك التدليس
هو تغطية الضعف فهو جرح
لأن ذلك حرام وغش .
************
هذه اشارة لبعض القواعد المتعلقة بالتدليس
واسأل الله ان يجعلنا من العاملين بكتابه
والعاملين بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
وان يجعلنا من المهتدين
والحمد لله رب العالمين