وجاء شهر رمضان الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد أيام قليلة سيطل علي الأمة الإسلامية والعربية وبلادنا الحبيبة منها ، إطلالة شهر رمضان ، بدروسه ومواعظه، وعبره وذكرياته الجميلة ، والمحزنة و ألا لامة المرة ، هذه الفريضة العبقة بالحكم والتجارب ، كانت فرضا علي الأمم السابقة حسب تلكم الظروف والمعطيات الإيمانية والاجتماعية والفكرية فندعوه تعالي أن يوفقنا جميعا لصيامه وقيامه والوصول إلى درجة رفيعة مرموقة من حكمة الصيام الرئيسية " لعلكم تتقـــون " تقوي في النفوس والنوايا ، تقوي في الأيمان والعمل ، وطلب العلم ، تقوي في التعامل الإنساني الأخوي ، تقوي في حسن الظن بالآخرين ، تقوي تمنح القدرة علي النقد الذاتي ، والاعتراف بالخطأ ، تقوي تؤجج في النفوس الاستعداد للعمل والتضحية بالغالي والنفيس، وتمنح الإيثار والكرم والجود ، ومساعدة المحتاج والمسكين ، تقوي تؤتي البشاشة والابتسامة في وجه أخيك ، وتقلل من دفعات الغضب والاستعجال والظنون والمواربة ، تقوي تمنح السكينة والقدرة علي الاستماع والإصغاء للآخرين ، وحسن الظن بهم قولا وعملا ، تقوي تمكننا من رؤية قضايانا الوطنية برؤية منهجية ، مبينة علي المحبة والتعاون، في سبيل تحقيق الحياة الشورية الديموقراطية بما يخدم ، ويحترم آدمية مواطننا، وكرامته وحقوقه . التقوى كانت ، ومازالت المحرك والدافع الداخلي للإنسان المؤمن ، للعمل والانطلاق والتقـــوى سبب في بركــة الـرزق والولـد .. ومن يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " فالبلاد والعباد اليوم في اشد حاجة أن يجدوا لهم مخرجا من هذا الغم والهوان والذل ، من غــلاء المعيشة ، وقلة المساكن الكريمة ، من تخبط وتأخر الرواتب ، من العنوسة التي تفشت وذيول الفساد التي تنخر في مجتمعنا ، الطيب يوما ما ، في قسوة وظلم وجور بني جلدتنا ، وإرهابهم ، وطغيانهم ، وتخويفهم وتهديدهم، من هذه القيود التي كبلت حريتهم، وكممت افواهم ، مخرجا من البصاصين والمنافقين الذين باعوا دنياهم بثمن بخس تزلفا او حاجة او تخوفا ... ثم تأتي مفاتيح أبواب الرزق ، فالرزق ليس فقط الذهب والدولار ، لا الفيلا ة\والعمران ، ولا الفتاة الحسناء ، او الوجاهة والمنصب ولا المركوب الفاخر ، إنها طمأنينة النفس والسكينة والرضي والقناعة بالقسم والنصيب.
" ولــوا أهل القري أمنــوا واتقــوا لفتحنــا عليهم بركــات من السماء والارض ، ولكنهم كذبــوا ... الأعراف
لــو كان ذلك ايها السادة ، ما كان ذلك التشنيع العظيم علي الشعوب الخانعة والخاضعة من:
" وأتبعــوا من لم يــزده مــاله وولـده إلا خســارا " نوح 21
" و اتبعوا أمــر كل جبــار عنيــد " هود59
" فأتبعــوا أمـر فرعون وما آمر فرعــون برشيــد " هود95
" فأستخف قــومه فأطـــاعوه ، إنهــم كانوا فاســقين " الزخرف 54.
لا أود في هذه الخاطرة السريعة العروج وطرح الأقوال والآراء ، والفتاوى المتعلقة بفريضة الصيام ، التي لم تتمكن الأمة والجاليات العربية والإسلامية ، وحتى في القطر الواحد من تحديد رؤية الهلال، رمضان أو شوال ، والاتفاق علي وحدة المطالع ، بين المؤيد والمتعصب للحساب الفلكي ، او المتشدد برؤية العين المجردة ، وقد أشرت منذ سنوات ستظل هذه الآراء والفتاوي قائمة مادام لم تنهض الأمة بفكرها ، وقراءة مجددة لميراثها النفيس وتفهم مواقف الاختلاف والخلاف دون أن تبعدنا علي قضاياها الرئيسية والملحة من غياب العدل وتسلط الظلم والفرقة والتشرذم وحالات القمع والاستبداد.
لقد اجتهد الرعيل الأول من جيل خير أمة أخرجت للناس ، فصام أهل دمشق في يوم لرؤيته وصام آهل المدينة يوم اخر ، فمر الأمر ولم يجحد او يستنكر أحدهما الآخر ، وفهموا ووعوا قول الحبيب علية الصلاة والسلام " لا تجتمع أمتي علي ضلالة ," " اختلاف أمتي رحمة " وأمتي مرحومة إلى يوم القيامة، فقد أصبحت هذه القضية روية الهلال شعبان كان او شوال وسيلة ميسرة للمشككين في أمر عقيدتنا ومدخل لإثارة الأقاويل والأراجيف ، فاصبح وحتى في ارقي المجتمعات تقدما وعلما وتكنولوجيا ومعايشة للغرب بعلومه وتطوره موضع خــلاف ، وخلاف حــاد حتى اصبح الأولاد و أبناء المهاجرين غي حيرة و إرباك من أمرهم ، فبعض من أقرانهم وأصدقائهم يصومن يوما ويفطرون في يوم مخالف ، حتى وصل الأمر لبعض التجمعات والمراكز الإسلامية أن تتأخر يومين تشفيا في ذلك النظام او مخالفا لذلك الأمام.
من معالم شهر رمضان .السلبيات والإيجابيات
من مميزات هذا الشهر العظيم ومعالمه هو نــزول القران الكريم والوحي المبين من الكتاب المحفوظ في السماء السابعة ألي السماء الدنيا ، ثم تتابع النزول تتري ، وعلي فترات لثلاثة وعشرين عاما ، لتبيان قضية ، وحل مشكلة ، وأجابه أسئلة وقضايا سياسية وعسكرية واجاناعية وتربوية ... تبيانا لكل شئ ، وحلا وإيضاحا وتفسيرا لكل معضلة او موقف جديد علي الدولة الناشئة الجديدة .
هذا القران العظيم ، والذكر الحكيم ، الذي اصبح أمره في وادي فهما ، ووعيا ، وإدراكا ، وتلاوة ، وتطبيقا ، ولسان الحال يقول " أن قــومي اتخذوا هذا القــران مهجــورا ." واصبح واقع الأمة بعيدا كل البعد علي المعاني والخصائص والأحكام والأوامر القرآنية الرفيعة الشاملة ،و أصبحت الشرائع والمواثيق والمناهج الاخضرية والمقولات الاصفرية والحمراء ، تخاصم وتنازع هذا القران وتسعي لاستبداله ، او تحل محلها قوانينها وشرائعها واجتهاداتها الوضعية البشرية يحجج واهية لا ترق إلى دليل واقعي وبرهان صحيح ما انزل الله بها من سلطان ، ناهيك عن تضارب النظريات وتنوع الفلسفات وتخبط الافتراءات .
بداية فقد مضت السنوات لم أتمكن من صيام شهر رمضان بين الأحبة الأهل والأصدقاء والجيران ، وتلاشت بعض الذكريات العبقة لصيام رمضان في بنغازي الغالية الحبيبة ، ولم أصم رمضان إلا مرة واحدة في طرابلس ، عروسه البحر المتوسط ، فلم يكن رمضان آنذاك تلكم الشربة وخبزة التنور او خبزة " الحلوزي " وشوية " بريكات ومحشي وكيمياء وطبيخة فاصوليا مع تمرات قليلة وقليل من اللبن ....
* ومن السلبيات المتواكبة مع رمضان :
* التوســع في الآكل والمأكولات ... فوجبة إفطار رمضان وجبة أساسية ولا بد ان تتنوع وإلا .. فمسكين الزوجات والأمهات من غضب الأزواج والأولاد، خاصة المدخنين من هؤلاء الذي لابد أن يفطر علي فنجان القوة سادة وتوليعة سيجارة .
** الغضب السريع و " محشش " فصورة العراك والصياح والمشاجرات التي تحدث في الأسواق ، خاصة قبل الإفطار، مصحوبا بالسرعة الجنونية في قيادة السيارات للوصول إلى البيت قبيل مدفع الإفطار، وكم من حوادث شاهدناها بسبب ذلكم السرعة والتعجل.
* مسلسلات المسرحيات والأفلام المصرية والحلقات والبرامج التلفزيونية مع الإفطار مباشرة ، حيث كانت سببا لتحويل اغلب أفراد الآسرة منجذبة ، ومتلهفة بشغف، لمتابعة بعض المصريات والقصص الاجتماعية والعمدة ... مما يؤخر صلاة العشاء، ناهيك عن التراويح، فهذه اللحظات الثمينة ، التي لو تمكن مسئولي الإذاعة والتلفزة والكتاب ورجال الآداب والفنون والمسرح والشريعة استحداث برامج ومسرحيات هادفة ومركزة تستوعب جميع أفراد الأسرة، وترسخ فيهم معاني ومفاهيم أخلاقية وسياسية واجتماعية وخيرية، تساعد في تنمية الدولة بجوانبها الإدارية والجهادية والاقتصادية والفنية والأدبية، وكما قلت لطول الغربة سمعنا أن هناك مسرحيا وحلقات هادفة ناجحة استطاعت أن تجذب الشباب خاصة وهي علي مستوي راق خاصة دروس ومحاضرات الداعية الشاب عمرو خالد الذي ساهم ويساهم في عــودة الآلاف من الشباب والشابات إلى أساسيات دينهم وعقيدتهم وتاريخ أمتهم و أمجادها مرتبطة بالواقع المعاش وبأسلوب بسيط وعرض سهل جذاب، وسيكون له لقاء يوميا تبثه قناة " اقرأ " من أمام المسجد النبوي في المدينة المنورة، فاحرص علي مشاهدته ومتابعته.
وهناك سلبيات أخرى منها الصيام بدون صلاة، القضية التي آفتي فيها الكثير من الفقهاء، ومنها: التفنن في قتل الوقت، وتضييعه في ابتكار الألعاب، من الكرة والتجول في الأسواق والتسكع في الميادين والشوارع ، ومعاكسة وتتبع الفتيات، والنوم حتى سويعة قبيل الإفطار، وهدرزة المرابيع ولعبة الكارطـــة، والقهوة والمقاهي حتى قبيل الفجر ...
وكما هو معلوم أن الصيام جاء كفريضة في السنة الثانية للهجرة قبل شرع القتال ، وذلك لان ميدان مغالبة النفوس وأشواقها وشهواتها أمر ليس بالهين اليسير، وكل يوم، المرء منا في صراع مستمر، مع هذه النفس اللوامة، الأمارة بالسوء والفحشاء، مما زينه الشياطين وأوليائهم وصدهم عن الذكر والتدبر والتعلم ، فكان الجهاد الكبير والأعظم مجاهدة هذه النفس وتطلعاتها ، كما اجمع عليه الكثير من العلماء والفقهاء ، لكن لا تستعجل، فليس كما فسره الكثير من زعماء الأمة السياسيين الذين خانوا الأمانة وباعوا قضية الدفاع عن مقدسات الأمة والمسجد الأقصى ، والامتناع عن مقاتلة مصاصي الدماء ، والمعتدين الغزاة، وسالبين حقوق الشعوب في الأرض والشرف، والحياة الكريمة ، محتجين بهذه الحديث وآية، وان جنحوا للسلم فاجنح لها ,,,فهــل ممكن أن نتحرر حتى من بعض المظاهر السلبية المصاحبة لهذا الشهر الكريم ؟ ونتحمل مسئوليتنا كاملة أمام عظمة هذه الأمانة ورسالة التكليف ؟
* شهر رمضان الكريم شهر الإيجابيات والتضحيات ، والبطولات السامية الرفيعة ، فقد تحققت صور من أنواع الجهاد والمعارك والغزوات الكبيرة ، مجابهة الآلام الجوع والعطش ، مجاهدة الشهوات والمحرمات ، فكان جهاد الدفع، وجهاد الطلب علي مستوي الدول والحكام ، ففي هذا لشهر كانت معركة بدر الكبرى ، التي انتصر فيها الحق علي الباطل ، واندحرت مراكز القوي والاستكبار، وهزم القادة المستكبرين، وتحقق فيها انتصار النفوس علي شهواتها، والرغبات الدنيوية من المغانم والجاه والسلطان والفخر ، تحقق فيها انتصار قوي الحق والعدل بعتادها القليل ، وعددها القليل الذي لنم يتجاوز 316 مجاهدا وبضعة خيول وبغال علي ثــلاثة أضعاف من القوي المعادية عتادا وذخيرة ومؤنه ومناعة وعددا. .
وكانت معركة أحد العظيمة ، أوضحت وسطرت دروس وعبر شامخة للمدافعين عن الحق والمطالبين بحقوقه ، وإرساء دولة الحرية والعدل والعمل والتخطيط، دروس الهزيــمة بعد مخالفة أوامر القــيادة الواعية ، والتطلع إلى مغانم وفئ سريع ، وكانت الهزيمة عندما كان الخلاف والتمسك بالرأي والاجتهاد الخاطئ ... وكانت معركة حطين وتحرير القدس الشريف ودحر إمبراطورية الفرس وتبوك، و..و فهل نعتبر ؟ هل نتعلم كيفية مجابهة الباطل والوقوف مع الحق ؟ هل نتعلم كيف لا نساوم علي حقوقننا ، وحريتنا ، والمطالبة ، والعمل بحرية الرأي ، والدفاع عن المظلومين والمساجين ، والتنافس في عمل الخير ، واغاثة الملهوف ، ومنع المعتدي ؟ هل نتعمل كيفية بناء الامم ؟ والمصابرة علي التعلم والتلقي ، وإتباع الحق ؟ هل نتعلم كيفية معرفة الرجال ، وحفظ الامانة ؟ وإلتماس الاعذار ؟ وفنون التخطيط والمواجهة السياسية والاستراتيجية والاجتماعية ؟
_________________
|