أسباب الذكورة والأنوثة والشبه
ـ (( عن أَنَسٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلامٍ بَلَغَهُ مَقْدَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ
فَقَالَ :
إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ
مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ
وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ
وَمَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ
قَالَ : أَخْبَرَنِي بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا قَالَ ابْنُ سَلامٍ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ
قَالَ : أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ
وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتْ الْوَلَدَ
قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ فَاسْأَلْهُمْ عَنِّي قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلامِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ
فَقَالَ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ فِيكُمْ
قَالُوا : خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَأَفْضَلُنَا وَابْنُ أَفْضَلِنَا
فَقَالَ : النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ
قَالُوا : أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ
فَقَالُوا : مِثْلَ ذَلِكَ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ عَبْدُ اللَّهِ
فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
قَالُوا : شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَتَنَقَّصُوهُ
قَالَ : هَذَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ))[1] .
وَوَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ حَدِيث عَائِشَة :
(( إِذَا عَلا مَاء الرَّجُل مَاء الْمَرْأَة أَشْبَهَ أَعْمَامه ,
وَإِذَا عَلا مَاء الْمَرْأَة مَاء الرَّجُل أَشْبَهَ أَخْوَاله )) .
وَنَحْوه لِلْبَزَّارِ عَنْ اِبْن مَسْعُود وَفِيهِ
(( مَاء الرَّجُل أَبْيَض غَلِيظ ,
وَمَاء الْمَرْأَة أَصْفَر رَقِيق
فَأَيّهمَا أَعْلَى كَانَ الشَّبَه لَهُ )) .
وَالْمُرَاد بِالْعُلْوِ هُنَا السَّبْق ,
لأَنَّ كُلّ مَنْ سَبَقَ فَقَدْ عَلا شَأْنه فَهُوَ عُلْو مَعْنَوِيّ .
وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْد مُسْلِم مِنْ حَدِيث ثَوْبَان رَفَعَهُ
(( مَاء الرَّجُل أَبْيَض وَمَاء الْمَرْأَة أَصْفَر فَإِذَا اِجْتَمَعَا فَعَلا مَنِيّ الرَّجُل مَنِيّ الْمَرْأَة أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّه ,
وَإِذَا عَلا مَنِيّ الْمَرْأَة مَنِيّ الرَّجُل أَنَّثَا بِإِذْنِ اللَّه ))
فَهُوَ مُشْكِل مِنْ جِهَة أَنَّهُ يَلْزَم مِنْهُ اِقْتِرَان الشَّبَه لِلأَعْمَامِ إِذَا عَلا مَاء الرَّجُل وَيَكُون ذَكَرًا لا أُنْثَى وَعَكْسه ,
وَالْمُشَاهَد خِلاف ذَلِكَ لأَنَّهُ قَدْ يَكُون ذَكَرًا وَيُشْبِه أَخْوَاله لا أَعْمَامه وَعَكْسه .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : يَتَعَيَّن تَأْوِيل حَدِيث ثَوْبَان بِأَنَّ الْمُرَاد بِالْعُلْوِ السَّبْق .
قُلْت : وَاَلَّذِي يَظْهَر مَا قَدَّمْته وَهُوَ تَأْوِيل الْعُلْو فِي حَدِيث عَائِشَة
وَأَمَّا حَدِيث ثَوْبَان فَيَبْقَى الْعُلْو فِيهِ عَلَى ظَاهِره فَيَكُون السَّبْق عَلامَة التَّذْكِير وَالتَّأْنِيث وَالْعُلْو عَلامَة الشَّبَه فَيَرْتَفِع الإِشْكَال ,
وَكَأَنَّ الْمُرَاد بِالْعُلْوِ الَّذِي يَكُون سَبَب الشَّبَه بِحَسَبِ الْكَثْرَة بِحَيْثُ يَصِير الآخَر مَغْمُورًا فِيهِ فَبِذَلِكَ يَحْصُل الشَّبَه ,
وَيَنْقَسِم ذَلِكَ سِتَّة أَقْسَام :
الأَوَّل : أَنْ يَسْبِق مَاء الرَّجُل وَيَكُون أَكْثَر فَيَحْصُل لَهُ الذُّكُورَة وَالشَّبَه ,
وَالثَّانِي : عَكْسه
وَالثَّالِث : أَنْ يَسْبِق مَاء الرَّجُل وَيَكُون مَاء الْمَرْأَة أَكْثَر فَتَحْصُل الذُّكُورَة وَالشَّبَه لِلْمَرْأَةِ
وَالرَّابِع : عَكْسه
وَالْخَامِس : أَنْ يَسْبِق مَاء الرَّجُل وَيَسْتَوِيَانِ فَيُذْكِر وَلا يَخْتَصّ بِشَبَهٍ ,
وَالسَّادِس : عَكْسُهُ .[2]
[1] رواه البخاري (3938) .
[2] الفتح (7/320) .