بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين 00
أغلب المداوون الشعبيون : لا يدركون خطر خلطاتهم العشبية وتداخلاتها الكيميائية
نسبة كبيرة من الأمراض تشفى عادة بإذن الله من تلقاء نفسها دون علاج بعد أن تنتهي دورتها، ونسبة ثانية لا علاج لها إلا عن طريق المستشفيات الحديثة، ونسبة ثالثة من الأمراض تحدث نتيجة استخدام دواء عشبي أو كيميائي أو حيواني أو معدني غير مقنن وأكثر الأدوية إحداثاً لمثل هذه الأمراض هي الخلطات العشبية التي تروج من قبل بعض المعالجين بطب الأعشاب والذين يخدعون المرضى عادة عند ترويج مستحضراتهم بوضع ترخيص صناعي، الذي يعتبر دجلاً علي المرضى حيث ان الترخيص الصناعي لا علاقة له بتحضير المستحضرات العشبية إلا أن يسبق هذا الترخيص ترخيصا من وزارة الصحة لإقامة مصنع لتحضير الأدوية العشبية وفي ضوء ذلك الترخيص تمنح وزارة الصناعة ترخيصاً بإنشاء المصنع.
سأتطرق إلى هذا الموضوع بالتفصيل من أجل إيضاح الصورة للقارئ الكريم لا سيما أنه ظهر في الآونة الأخيرة عيادات غير مرخصة لعلاج مختلف أنواع الأمراض دون حصول أغلب هؤلاء المعالجين على تراخيص لمزاولة مهنة العلاج من وزارة اصحة، كما انتشر في الآونة الأخيرة كثير من الخلطات العشبية التي يروج لها الوافدون عن طريق الجوال وتساعدهم في ذلك الدعاية لتلك الخلطات بعض وسائل الإعلام، وذلك عن طريق المقابلات التي تجرى لبعض مروجي تلك المستحضرات.
أولا ً :
لقد حبى الله هذا الوطن بمستشفيات ذات تقنية عالية قد لا تتوفر في أي بلد آخر وذلك بما تحويه من امكانات متميزة ومن أطباء وصيادلة ومرافقيهم من بقية الفريق الصحي ونحن نفخر بأطبائنا السعوديين الذين اثبتوا وجودهم ليس على مستوى المملكة فحسب بل على المستوى العالمي ولا ننسى العمليات الجراحية النادرة على مستوى زراعة الكبد والكلى وفصل التوائم والعقم وخلاف ذلك مما لا أستطيع حصرها التي أجراها أطباء سعوديون نفخر بهم.
هذه المستشفيات الحكومية والخاصة بما فيها من امكانات وقدرات وضعت لخدمة المواطن، فيجب علينا ان نفخر بها ونستفيد من إمكاناتها الراقية وألا نرمي بأنفسنا إلى التهلكة بذهابنا إلى من يدعون المداواة وهم لم يتلقوا من التعليم إلا من الكفاف ولا يعرفون أي شيء عن الأمراض وطرق تشخيصها على الإطلاق ثم يقومون بوصف خلطات عشبية لا يعرفون تأثيراتها ولا يعلمون عن تداخلات المجاميع الكيميائية
فيها شيئاً فبعضها قاتل وبعضها يسبب أمراضاً لا علاج لها.
الوباء الكبدي
ثانيا ً :
نسبة كبيرة من الأمراض تشفى بدون علاج حيث تأخذ هذه الأمراض دورتها وتشفى من حالها، واضرب على ذلك مثلاً وهو مرض الالتهاب الكبدي من نوع (أ) الذي يأخذ دورته ثم يشفى المريض بدون علاج. وكثير من الناس الذين يصيبهم مثل هذا النوع من المرض يتجهون إلى من يدعون أنهم أطباء أعشاب أو ربما يذهبون إلى بعض محلات العطارة الذي يقومون بتركيب خلطات عشبية مجهولة الهوية وصرفها لمثل هؤلاء المرضى، ومن ثم يشفى المريض، لكن في الحقيقة لم يكن شفاؤه نتيجة لهذا العلاج بل كان نتيجة لانتهاء دورة المرض، ثم يقوم الشخص الذي شفي من هذا المرض بعمل دعاية لمثل هؤلاء المعالجين ومن ثم تنتشر سمعته، ويبدأ الناس في التهافت على مثل هؤلاء المعالجين الذين لم يكن لهم دور في علاج هذا المرض.
ثم مع الأسف يقوم بعض الكتاب بالكتابة عن مثل هؤلاء المعالجين عندما تقفل عياداتهم أو محلات عطارتهم نتيجة لعدم تأهلهم لعلاج المرض بسبب التأكد من جهله المطلق بمسببات المرض، وكان يجب على من يكتب مثل هذه المقالات أن يتأكد أولاً عن مؤهلات مثل هؤلاء المعالجين ويعمل دراسة إحصائية لمن قام مثل هؤلاء المعالجين بعلاجهم وسيجد أخيراً أن سبب قفل عيادته أو محل عطارته كان وراءه سبب مقنع 100%.
قصص واقعية
وسوف أحكي قصة واقعية بهذا الشأن حيث كانت امرأة تعاني من التهاب كبدي عادي وكذلك شخص آخر كان يعاني من التهاب الكبد الفيروسي من نوع (أ)، وكلا الاثنين اتجها مباشرة لعيادات من يدعون أنفسهم بأطباء أعشاب وصرف لهما الخلطات العشبية المعروفة والتي يقوم بخلطها عادة عمالة وافدة والتي عادة ما تكون ملوثة ببعض الفيروسات أو ببعض البكتيريا أو ببعض الفطريات المعدية.. وبعد تناولهم لهذه الخلطات شفوا نتيجة انتهاء دورة المرض مثلما ذكرت سابقاً وليس من العلاج، ولكن الطامة الكبرى التي حدثت بعد ذلك أن كلا المريضين أصيبا بتلف في الكبد وكان السبب بأن تلك الخلطات تحتوي على مجموعة كيميائية تسمى Pyrolizidine والتي توجد في عدد من النباتات التي تباع لدى محلات العطارة مثل السميفيتون والرمرام والسنيسيو وطبعاً من يدعون أنفسهم بأطباء أعشاب يقومون بشراء حاجتهم من الأعشاب من لدى محلات العطارة ثم يقومون بخلطها انطلاقاً من مبدأ أن هذه الأعشاب من صنع الخالق عز وجل وأنها غير مضرة على الإطلاق وقد رأيت بأم عيني معالجاً على أحد القنوات الفضائية يقول بالحرف الواحد "إنه لا يوجد أي ضرر للأعشاب على الإطلاق" ونسي أن الثعابين والحيات والعقارب والعناكب الخطيرة
هي من خلق الله سبحانه وتعالى وهي في نفس الوقت شديدة السمية، فالنباتات مثلها مثل تلك المخلوقات منها السام ومنها الطبي ومنها الغذائي. وتوجد نباتات سامة بذرة منها أو جزء من جذرها أو ورقة من أوراقها قاتلة مثل بذور نبات عين الديك ومثل جذور نبات خانق الذئب ومثل الدفلة بنوعيها البيضاء والصفراء وهذه أمثلة بسيطة من فئاة النباتات السامة.
قصص حقيقية ومسجلة
سأروي لكم قصصاً حقيقية ومسجلة عن بعض هذه العلاجات التي أودت بحياة كثير من المرضى وكانت السبب المباشر لموتهم.
القصة الأولى :
هذه القصة تتعلق بمعالج شعبي في شمال المملكة أمي لا يقرأ ولا يكتب ويزاول مهنة العلاج بالأعشاب، ويتركز علاجه على حالات العقم وكان يقوم بخلط بعض أجزاء الأعشاب مع حشرة تعرف باسم "الزرنوخ" وهي حشرة مشهورة عالمياً حيث تربى هذه الحشرة والتي تشبه في شكلها الذباب وكانت اسبانيا هي الدولة التي تعنى بتربية هذه الحشرة حتى أنها سميت باسمها "الذبابة الاسبانية" هذه الحشرة تحتوي على مادة اسمها الكانثريدين (Cantheridin) هذه المادة الكيميائية تستخدم في علاج بعض الأمراض الجلدية وتدخل في بعض المراهم وبعض اللصاقات ولكنها لا تستخدم داخلياً على الإطلاق نظراً لسميتها على الجهاز البولي ومشهور هذا المركب بسميته ومشهورة أيضاً هذه الحشرة بسميتها. كان هذا المعالج يجمع هذه الحشرات التي تكثر في وقت الربيع ثم يجففها ويخلطها بعد سحقها مع بعض الأعشاب ويقوم بعمل جرعات كل جرعة عبارة عن برشامة بمئتي ريال ويعالج بها على حسب متعاطيها لعلاج العقم. وكان المرضى بالعقم يذهبون إلى هذا المعالج ويصرف لهم برشامة واحدة، على أن تستعمل داخلياً عن طريق الفم.
تقوم هذه البرشامة بكشط المجاري البولية وتسبب مشكلة في الكلى مما نتج عنها نزف وخروج البول ملوثاً بالدم ويصحب ذلك قطع لحمية صغيرة ناتجة عن كشط المجاري، والأشخاص الذين يتحملون هذه الجرعة يشفون بعد مدة من هذا التأثير والعقم يظل كما هو.
وقد حدث ان توفي أحد متعاطي هذه البرشامات وشكلت لجنة من وزارة الصحة ومن وزارة الداخلية وإمارة منطقة الرياض وكنت أحد الأعضاء الذين طلب منهم تحليل هذه البرشامة التي كانت تحوي أجزاء من حشرة الذرنوح والمادة الكيميائية السامة المعروفة بالكانثردين ورفعت اللجنة تقريرها بإدانة هذا المعالج وهذه الحالة موثقة واتخذ القرار الشرعي الصائب بشأن هذه القضية.
القصة الثانية :
هي ورود معاملة من إمارة منطقة الرياض عن طبيب شعبي في حي من أحياء الرياض وكان مفاد هذه المعاملة أن هناك طبيباً شعبياً يزدحم عليه بالسيارات الخاصة بالمراجعين وان الشوارع المجاورة تقفل من كثرة السيارات. وطلب مني مقابلة هذا الطبيب من أجل معرفة مدى علاقته بالتطبيب وهل يمكن أن يعطي تصريحاً بمزاولة هذه المهنة من عدمه. واستدعيت هذا المعالج وعندما دخل علي في مكتبي ظننت أنه أحد الطلاب لأن عمره لم يتجاوز السابعة عشرة، فسألته عما يريد: فقال: أنا الطبيب الشعبي الذي استدعيتني لمقابلتك، فذهلت لما رأيت لأنه صغير لم يلحق ان يلم ولو بجزء من علاج حتى يعالج الناس. طلبت منه الجلوس وطلبت منه في هدوء ان يحكي قصته مع المعالجة. فقال: "خرجت أنا وعائلتي للتنزه في أحد الأيام إلى الثمامة وكنت في بعض الأحيان أعاني من الأرق، وعندما كنت مضطجعاً على جبيني الأيمن في الثمامة وكان بجانبي نبات فأخذت أتذوقه ومضغت منه بضع وريقات فشعرت بالنعاس ونمت، وعندما استيقظت فكرت في أن أقوم بعلاج الناس وبدأت أجمع من هذا النبات كميات وأسحقه وبدأت أعالج بعض الأقارب وبدأت سمعتي تنتشر كمعالج ممتاز وبدأ الناس يتوافدون إلى منزل أبي الذي خصصه للعيادة وبدأت الأعداد تزداد لدرجة أن الشوارع المجاورة للموقع لم تعد تتسع لسيارات المرضى هكذا كانت بدايتي.
وعندما سألته هل أنت مقتنع بما تقوم به، فقال لقد سمعت ان هناك معالجين في الحي نفسه وكانوا يحصلون على أموال كبيرة من جراء هذه المهنة وأنا في الحقيقة أفهم أنهم غير قادرين حتى على القراءة والكتابة وأنا على الأقل طالب في سنة ثانية ثانوية وأستطيع التفاهم مع المرضى.
لقد كان اعتقاد جميع مراجعي عيادة هذا الطفل ان لديه الهام من الله عز وجل ويفهمون تماماً ان أي شخص في عمره لا يستطيع ان يعالج لأنه لا يزال طفلاً ولم يكن لديه عمر من أجل ان يتعلم ولكن كما ذكرت كان اعتقادهم أنه ملهم، وكانوا يذهبون إليه ويشرحون له أمراضهم وهو أساساً لا يعي ولا يفهم ما يقولون وفي الأخير يكتب أو يعطيهم العشبة المتوافرة ولكل الأمراض. والسؤال هل نقول ان هذا معالج.. وهل يمكن لأي كاتب ان يكتب عنه ويقول إنه عالج أناساً وشفوا من أمراضهم بعدما عرفنا قصته برمتها.
لقد حاولت توجيهه الوجهة الصحيحة وطلبت ان يكف عن هذا العمل وان يكمل دراسته ويدخل كلية الطب ويتخرج طبيباً ويعالج الناس وهو على دراية بما يفعل. وقد اقتنع اقتناعاً تاماً وأخذت عليه امارة منطقة الرياض تعهداً بعدم العودة إلى هذا العمل وذلك بناء على التقرير المعد من قبلنا كجهة علمية.