سبحان الله الذى أتى داوود وسليمان علما و فضلهما على كثير من عباده المؤ منين , حيث ورث سليمان والده داوود فى الملك و النبوة , و أخبر النبئ سليمان الناس من قومه و غيرهم تحدثا بنعمة الله عليه بأنه أوتى فهم لغة الطير , و أنه منح من جميع النعم قسطا وافرا , و إنه لهو الفضل المبين الذى يمنحه الله لعباده المخلصين .
و قد منحه الله عديد من النعم و القدرة و التسلط , حيث حشدت لسليمان جنود من الجن و الانس و الطير فهم يتلاحقون . حتى إذا مروا بمعية سليمان بواد به النمل , قالت نملة لاخوتها من النمل ( إدخلوا بيوتكم لا يهلكنكم سليمان و جنوده و هم لا يشعرون بكم ) . فسمعها سليمان فتبسم ضاحكا من قولها و قال ( ربي إجعلنى بحيث أحتفظ بشكر نعمتك التى تفضلت بها علي و على والدى داوود , و أن أعمل عملا صالحا ترضاه , و أدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين) .
و تعرف سليمان لوفود الطير التى كانت تجتمع عنده فلم يجد الهدهد فغضب و سليمان و قرر أن يعذبه عذابا شديدا أو يذبحه عقابا له و زجرا لامثاله , أو يأتيه بحجة بينة تظهر عذر غيابه و تخلفه عن بقية الطيور.
فلبث الهدد غائبا زمانا غير مديد ، ثم جاء فقال لسليمان ( علمت ما لم نعلم و جئتك من بنى سبأ بخبر يقين ، يا نبئ الله إنى وجدت امرأة تملك بنى سبأ وهى بلقيس بنت شراحيل , و قد أوتيت من كل شئ يحتلج إليه الملوك فى ترفهم و لها سرير ملك عظيم ) ( فيل كان حجمه ثلاثين ذراعا فى ثلاثين أو ثمانين فى ثمانين من ذهب و فضة و مرصعا بالاحجار الكريمة ) . ووجد الهدهد أنها و قومها يعبدون الشمس ، وزين لهم الشيطان أعمالهم ، فمنعهم عن سبيل الله فهم لا يهتدون إليه . منعهم أن لا يسجدوا لله الذى يخرج من الاشياء ما خفى فيها بقدرته الالهية و يعلم ما تخفون و ما تعلنون . الله لا إله إلا هو رب الملك العظيم .
فقرر سليمان إرسال الهدهد بكتاب يلقيه إليهم فيه ( إنه من سليمان و إنه بسم الله الرحمن الرحيم , القصد ألا تتكبروا علي و أئتونى منقادين ) .
قالت الملكة لقومها أفتونى فى أمرى فقال لها قومها نحن أصحاب قوة و بأس فى الحروب فأمرينا بما تريدين . قالت لهم إن الملوك إن انتصروا و دخلوا قرية أفسدوها و استذلوا أعزتها هذا دأبهم الذى جروا عليه . فقررت إرسال هدية كدلالة على حسن نيتها فى مصادقتهم ، فناظرة بما يرجع بها المرسلون.
فلما وصل رسولها إلى سليمان غضب و قال لهم ( تمدوننى بمال ؟ فما منحنى الله منه أكثر مما منحكم , فأنتم بهديتكم تفرحون . إرجع أيها الرسول إليهم , فلنزحفن عليهم بجنود لا قدرة لهم على صدها , و لنخرجنهم من مدينتهم أذلة و هم مهانون .
ثم قال سليمان لجلسائه من أتباعه ( أيكم يأتينى بعرشها قبل أ يأتونى مستسلمين ؟ قال مارد من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مجلسك و إنى عليه لقوى أمين ) .
ثم قال الذى عنده علم من الكتاب ( القائل وزيره أو ملك أو هو نفسه , و المراد بعلم من الكتاب علم أسرار الروحانية و التأثير فى الامواد بالقوى النفسية ) أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك أي عينك
فلما رأى النبئ سليمان عرش بلقيس موجودا بين يديه , قال هذا من فضل ربي ليختبرني أأشكره على نعمه هذه أم أكفر بها , و من شكر لفإنه يشكر لنفسه , لان شكره يستوجب دوام النعمة و زيادتها , إن ربي غنى عن الشكر كريم لا ينقطع مدده عن خلقه .
قا سليمان غيروا لها شكل العرش و هيئته لتجهله لنرى هل تهتدى إليه أم تغبى عنه . فلما وصلت الملكة إلى حضرة سليمان . قال لها أهكذا سرير ملكك ؟ قالت وهى تتعجب : كأنه هو عينه و قد أعطينا العلم بكمال قدرة الله و صحة نبوتك من قبل هذه المعجزة .
ثم قيل لها أدخلى القصر . فلما رأت أرضه حسبته ماء و كشفت عن ساقيها كى لا تبتل ثيابها فقال لها : إنه صرح مملس من زجاج فقالت : يا رب إنى ظلمت نفسي بعبادتي الشمس و أسلمت لله رب العالمين .
إن الله سبحانه قد أتى داوود و سليمان علما و فضلهما على كثير من عباده المؤمنين , فلله الحمد وحده سبحانه هو العليم الحكيم .