عمد البعض بالسؤال عن بعض الأمور المتعارف عليها والمتداول استخدامها بين الناس في علاج العين والحسد ، وقد تكون تلك الأمور من الأساليب والعادات المتوارثة عن الآباء والأجداد ، ويفضي استخدام بعضها في علاج العين إلى محاذير شرعية ، والوقوع في المحرم ، وسوف أقتصر البحث بذكر الأمور الجائز استخدامها في هذا المجال ، وأما الأمور الأخرى التي لا يجوز فعلها بسبب تأثيرها وخطورتها على العقيدة والدين 0
وبالعموم فقد ذكر العلماء الأجلاء شروط الأخذ بالأسباب 0
وقد لخص ذلك الدكتور فهد بن ضويان السحيمي – حفظه الله – عضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ، حيث قال : ( ولقد فصل العلماء القول في شروط الأخذ بالأسباب ، ويمكن إيجازها فيما يلي :
1- أن يكون السبب مما ثبت أنه سبب :
شرعا : لأن هناك من الأسباب ما هو محرم ، وكل سبب لم يأذن به الله ولا رسوله فهو باطل 0
وقدرا : بأن يعرف أن هذا من الأسباب المعهودة التي يحصل بها المقصود – كالأدوية المجربة النافعة المعروف منفعتها وكحصول الشبع عند الأكل والري عند الشرب 0
2- أن لا يعتمد على السبب بذاته بل يعتمد على خالقه ومسببه ، لأنه قد يتخلف عنه مع قيام السبب إذ الضار والنافع والمعطي والمانع هو الله وحده لا شريك له 0
والحكمة في تخلف المسبب عنه مع قيام السبب هي :
أ – عدم الاعتماد على الأسباب فتلتفت القلوب عن الله فتتعلق بهذا السبب 0
ب – علم كمال قدرة الله وأن له التصرف المطلق وحده لا شريك له 0
3- أن يعلم أنه مهما عظمت وقويت تلك الأسباب فانها مرتبطة بقدر الله لا خروج لها عنه فلا يعتمد عليها ) ( أحكام الرقى والتمائم – 13 ، 14 ) 0
ويعقب الدكتور الفاضل بكلام جميل بعد أن أورد تلك الشروط ، حيث يقول : ( ليس كل سبب حصل به المقصود ونيل به الطلب يجوز الأخذ به بل لا بد في ذلك من النظر إليه من الجهة الشرعية فما أجاز لنا الشرع الأخذ به من الأسباب أخذنا به مع عدم الاعتماد عليه بل يكون الاعتماد على خالقه ومسببه وأن هذه الأسباب مرتبطة بقدر الله عز وجل ، وما منعنا منه الشرع فالواجب علينا الامتناع عنه ، ولو وجدت فيه بعض المصلحة لأن ضرره راجح على منفعته 0 والله أعلم ) ( أحكام الرقى والتمائم – ص 17 ) 0
وقبل أن أذكر بعض المجربات الحسية الثابت نفعها لا بد من وقفة علمية تحليلية للحكم على مشروعية تلك الاستخدامات :
إن كافة الطرق المدونة تعتمد على أساس شرعي وهو القياس بحادثة سهل بن حنيف – رضي الله عنه - ، فالمعنى الذي يدل عليه الحديث آنف الذكر هو أخذ الغسل من عامر بن ربيعه ثم صبه من خلف سهل بن حنيف على رأسه وظهره ، وقد فهم بعض العلماء الأجلاء أن العلة المتعلقة بالأمر هو أخذ أثر العائن على أي صفة كانت والذي يؤدي بدوره بإذن الله تعالى لشفاء المعين ، فالغسل والوضوء تحمل الأثر المباشر للعائن وعند استخدامها بالكيفية المشار إليها آنفا فإنها تؤدي لشفاء المعين بإذن الله تعالى 0
يقول الحافظ بن حجر في الفتح : ( تنبيهات : الأول : اقتصر النووي في " الأذكار " على قوله : الاستغسال أن يقال للعائن : اغسل داخله إزارك مما يلي الجلد ، فإذا فعل صبه على المنظور إليه ، وهذا يوهم الاقتصار على ذلك ، وهو عجيب ، ولا سيما وقد نقل في " شرح مسلم " كلام عياض بطوله 0
الثاني : قال المازري : هذا المعنى مما لا يمكن تعليله ومعرفة وجهة من جهة العقل ، فلا يرد لكونه لا يعقل معناه 0 وقال ابن العربي : إن توقف فيه متشرع قلنا له : قل الله ورسوله أعلم ، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة أو متفلسف فالرد عليه أظهر لأن عنده أن الأدوية تفعل بقواها ، وقد تفعل بمعنى لا يدرك ، ويسمون ما هذا سبيله : " الخواص " ) ( فتح الباري – 10 / 204 ، 205 ) 0
والملاحظ من فتاوى فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - كما سوف يتضح لاحقا تجلي هذا الفهم حيث يقر استحداث طرق جديدة مع وجود النص الصحيح الصريح في الباب 0
يعقب الأخ الفاضل فتحي الجندي على نظرة فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – حفظه الله - في هذه المسألة حيث يقول : ( يلاحظ هنا تجديد في الفتاوى من الشيخ ابن عثيمين في هذا الباب ، بعد أن كان الأصل في هذا الباب هو التوقيف ، والاحتجاج هنا بما جرت به العادة مع وجود نص في المسألة وهو الأمر بالاغتسال بهيئة خاصة للعائن والمصاب 0 ومقتضى هذا أن الشيخ يقر استحداث طرق جديدة مع وجود النص الصحيح الصريح في الباب ، وبالتالي تجويزه العمل بالنافع مما جرت به العادة ) ( النذير العريان – ص 173 ) 0
قلت : والذي أراه في هذه المسألة الجواز لاعتماد نص صريح في هذا الباب والقياس عليه ، خاصة أن فعل ذلك دون الاعتقاد فيه يؤدى لنتائج إيجابية طيبة ومحمودة بإذن الله تعالى ، ويندرج تحت هذا الحكم أمور أخرى تتعلق بطريقة علاج العين بشكل عام كنفث العائن على المعين أو تبريكه ونحو ذلك ، مع التنبيه لأمر هام جدا يتعلق بهذه المسألة وهو أن استخدام تلك الكيفيات وعلى هذا النحو يرقى لكي يصبح سبباً حسياً للشفاء بإذن الله تعالى ، وهذا ما قررته الخبرة والتجربة لدى كثير من المعالِجين أصحاب المنهج الإسلامي الصحيح ، مع تدوين بعض النقاط الهامة ، وهي على النحو التالي :
أ)- الأولى الاعتماد على الطريقة الواردة في حادثة سهل ابن حنيف ، والتي تنص على أخذ غسل العائن وصبه على المعين كما بينها العلماء الأجلاء 0
ب)- يلجأ لاستخدام الطرق المدونة لاحقا خوفا من حصول مفسدة شرعية أعم من المصلحة المترتبة ، ومثال ذلك أن يؤدي طلب الغسل من العائن إلى القطيعة والتنافر ، وهذا يؤدي إلى مفسدة شرعية عظيمة أعم من المصلحة المترتبة 0
ج)- يتم اللجوء لبعض الطرق المدونة خاصة أخذ آثار عتبات الأبواب والأقفال في حالة صعوبة معرفة العائن أو الحاسد لسبب أو لآخر 0
وفيما يلي بعض الطرق الحسية المباحة والمشروعة لعلاج العين والحسد :
* الطريقة الأولى : استخدام آثار العائن الداخلية أو الخارجية ووضعها بالماء ورشه بعد ذلك على المعين :
وقد أفتى بجواز ذلك فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - حيث يقول : ( وهناك طريقة أخرى - لعلاج العين - ولا مانع منها أيضا ، وهي أن يؤخذ شيء من شعاره أي : ما يلي جسمه من الثياب كالثوب ، والطاقية والسروال وغيرها ، أو التراب إذا مشى عليه وهو رطب ، ويصب على ذلك ماء يرش به المصاب ، أو يشربه 0 وهو مجرب ) ( القول المفيد على كتاب التوحيد – 1 / 94 ) 0
ويقول في موضع آخر : ( وقد جرت العادة عندنا أنهم يأخذون من العائن ما يباشر جسمه من اللباس مثل الطاقية وما أشبه ذلك ويربصونها بالماء ثم يسقونها المصاب ورأينا ذلك يفيده حسبما تواتر عندنا من النقول ) ( فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين – 1 / 196 ) 0
* الطريقة الثانية : استخدام أثر العائن على أي صفة كانت كالماء والقهوة والنوى :
وهذه الطريقة مما اختلف فيه أهل العلم ، فالبعض قد أجاز استخدام هذه الطريقة دون الاعتقاد بها ، واعتبار ذلك من قبيل الأسباب الحسية الداعية للشفاء بإذن الله تعالى ، وقد أثبتت التجربة والخبرة نفعه وفائدته 0
يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - معقبا على الكلام السابق : ( فإذا كان هذا هو الواقع فلا بأس باستعماله لأن السبب إذا ثبت كونه سببا شرعا أو حسا فإنه يعتبر صحيحا 0 أما ما ليس بسبب شرعي ولا حسي فإنه لا يجوز اعتماده ) ( فتاوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين – 1 / 196 ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن جواز استخدام أثر العائن على أي صفة كانت كالقهوة والماء ونحو ذلك لعلاج العين والحسد ؟؟؟
فأجاب – حفظه الله - : ( قد عرف بالتجربة المتبعة أن أثر العين تبطل باستعمال شيء مما مسه العائن كريقه وعرقه ودمعه ونحو ذلك ، فالناس عادة يغسلون ما مسه كحذائه الذي يلي قدمه ، وثوبه الذي يلي جسده وداخله إزاره وفضل وضوئه وغسالة يديه وشعر بدنه وأظافره ونحوها ، فيشرب منه المعين أو يغتسل به فيبرأ بإذن الله تعالى ، وقد دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " 000 وإذا استغسلتم فاغسلوا " ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ) وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عامر بن ربيعه لما أصاب سهل بن حنيف فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخله إزاره في قدح ثم صب عليه فراح مع الناس ، أخرجه مالك في الموطأ فهذا من باب العلاج والله الشافي ) ( المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين – ص 242 – فتوى مكتوبه بتاريخ 24 شعبان سنة 1418 هـ ) 0
وقد سئل فضيلته عن أخذ بعض الأثر المتبقي من بعض الناس الذين يشك بأنهم أصابوا شخص ما بالعين ، كأخذ المتبقي في الكأس من ماء أو شراب ، أو فضلات الأكل ، وهل هذا صحيح معتمد ؟؟؟
فأجاب – حفظه الله - : ( نعم كل ذلك صحيح ونافع بالتجربة ، وكذا غسل ثوبه الذي يلاصق بدنه أو يعرق فيه ، أو غسل رجليه أو يديه لعموم " وإذا استغسلتم فاغسلوا " ( أخرجه الإمام مسلم في صحيحه – كتاب السلام ) ، فهو يعم غسل البدن كله ، أو غسل بعض البدن ، وحيث جرب أن أخذ شيء من أثره يفيد ، فإن ذلك جائز كغسل نعله الذي يلبسه ، أو جوربه الذي يباشر جلده ، لأمره في الحديث بغسل داخله إزاره ، أي الذي يلي جسده ، وكذا ما مست يداه من عصى أو قفاز ، وكذا فضل وضوئه الذي اغترف منه ، أو ما لفظه من النوى ، أو تعرق من عظم أو نحو ذلك ، وهذا بحسب التجربة ، وقد يصيب بإذن الله ، وقد يستعصي ذلك بحسب قوة نفس العائن وضعفها ، ولكن بعض الناس يتوهم كل إصابة وكل مرض حصل له فهو من العين ، ويتهم من لا يُتهم ، ويأخذ من فضلاته فلا يرى تأثراُ ، وذلك مما لا أصل له ، والواجب أن يعتقد أن الأمراض كلها بقدر الله تعالى ، وأن كثيراً من الأمراض تحصل بدون سبب ، وأن علاجها بما يناسبها من العلاج المباح ، والله أعلم ) ( المنهل المعين في إثبات حقيقة الحسد والعين – ص 242 ، 243 - مخطوطة بخط الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين – بحوزة الشيخ علي بن حسين أبو لوز – ص 234 ) 0
والبعض الآخر لم يجز ذلك كسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله - ، حيث سئل عن أهل المصاب بالعين وقيامهم بدعوة الناس لوليمة ، ثم بعد ذلك يأخذون بقايا المشروبات فيغتسل بها المريض ، فما حكم ذلك ؟
فأجاب – رحمه الله - : ( كل هذا لا أصل له ، إنما إذا عرف العائن أو ظن أنه العائن ، يطلب منه الاغتسال ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعل ذلك ، فإذا غسل وجهه ويديه وتمضمض ] قلت : هذه الكيفية لم تثبت في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكر هذه الكيفية بعض أهل العلم ، قال البيهقي : " قال ابن شهاب الزهري – رحمه الله – الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه : أن يؤتى للرجل العائن بقدح فيدخل كفه فيه فيمضمض 000 الخ – " السنن – 9 / 352 " ، وقال المناوي : " قال القرطبي : وصفته عند العلماء أن يؤتى بقدح من ماء ولا يوضع القدح بالأرض فيأخذ منه غرفة فيتمضمض بها ثم يمجها في القدح000 الخ " " فيض القدير– 4/324 " [ ، أو غسل وجهه وذراعيه وداخلة إزاره وأطراف قدميه ، فيصب على المعين وينفعه الله بذلك ) ( فتاوى السحر والعين والمس – لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – شريط مسجل – بتصرف واختصار - إصدار تسجيلات البردين - جمع وإعداد محمد بن عبدالرحمن اليوسف ) 0