أهمية «الأسم» في الكتابات القديمة
ليس الاسم مجرد مجموعة من الأحرف يتم تركيبها لتطلق بشكل عشوائي على شخص أو شيء ما، بل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بذلك الشيء أو الشخص. وبهذا الارتباط يهدف الاسم إلى تحقيق نوع من التمايز بين الأشخاص أو الأشياء. يظهر هذا المفهوم للاسم في الكتابات القديمة كما في الملحمة البابلية «إينوما إليش» حيث يتزامن الاسم مع ترتيب الخليقة. ونقرأ في التوراة عن قصة الخلق: «وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء، فأحضرها إلى آدم ليرى ماذا يدعوها، وكل ما دعا به آدم ذات نفس حية فهو اسمها» (تكوين 2:19) .
يتماثل ما جاء في هذا النص مع ما ورد في القرآن الكريم:{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {30} وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {31} [البقرة: الآية 30 ـ 31] وعندما أحضر الله حواء إلى آدم نراه يخلع عليها اسماً وينشد قائلاً: «هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنها من امرئٍ أخذت» ، و «دعا آدم اسم امرأته حواء لأنها أم كل حي» (تكوين 2:23، 3:20 (إن معرفة اسم شخص ما أو تسمية شخص ما تفيد الحصول على قدر من السلطة على ذلك الشخص، فالله تعالى يعطي الكواكب أسماء لأنه خالقها (مزمور 147: 4، انظر أيضاً تكوين 32: 29 ـ 30، إشعياء 43:1) وفي الشرق الأدنى القديم كانت معرفة اسم أحد الآلهة تفيد أن العابد له حق باستعمال قوة ذلك الإله. وفي كثير من الديانات يتم تكرار اسم أو أسماء الإلهة بهدف استدعاء الآلهة للحضور للقيام بتنفيذ رغبة الذي يدعوها. وقد حرّمت التوراة الشريفة في الوصايا العشر مثل هذا الاستعمال «السحري» لاسم الله (خروج 20:7) .
من ناحية أخرى، كان الاسم في الشرق الأدنى القديم يشير إلى هوية الشخص ويكشف شخصيته. وإذ نطالع صفحات التوراة نرى ارتباط معنى الاسم بالشخص الذي يطلق عليه الاسم المعين. فالاسم إسحق يتضمن معنى الضحك وهو الأمر الذي فعلته سارة عندما أعلمها الملاك بأنها ستحبل بابن (تكوين 17: 17 و19 و18:12) ، والاسم يعقوب يعني المتعقب، وقد تعقب شقيقه عيسو (تكوين 27:36) وهكذا دواليك.. وما نزال في الوقت الحاضر نطلق الأسماء على أولادنا وبناتنا تيمناً بالرجال العظام والنساء الفاضلات والأنبياء الكرام راجين أن تعكس حياة أولادنا الصفات الحميدة التي كانت لتلك الشخصيات. ومن الصعب جداً أن نتخيل عالماً لا توجد فيه أسماء للأشياء أو للأشخاص. وإذا كانت هناك أسماء للأشياء والأشخاص فمن الطبيعي أيضاً أن يكون لله تعالى أسماء تعكس صفاته الربانية وتمايزه عن سواه.
المصدر:
مستقطع من مقال:أسماء الله في سفر التكوين
الدكتور القس/رياض قسيس