بعد أن أدت الغزوات والسرايا دورها في إظهار قوة المسلمين، والقضاء على صناديد الكفر ومنذ أن عقد الرسول صل الله عليه وسلم صلح الحديبية مع قريش وما تلا ذلك من إخضاع اليهود، فإن الرسول صل الله عليه وسلم ـ لم يدخر جهداً لنشر الإسلام وقد عبّرصل الله عليه وسلم عن ذلك بإرساله لعدد من الرسائل إلى ملوك وأمراء العالم المعاصر خارج الجزيرة العربية يدعوهم فيها إلى الإسلام فجاءت هذه الكتب وسيلة دعوية هامة لإعلام الناس وإبلاغهم بدعوة الإسلام، وقد كان بعضهم يجهلها مثل كسرى، وبعضهم ينتظرها مثل قيصر..
انطلقت مواكب رسل رسول الله صل الله عليه وسلم تحمل بشائر وأنوار الهداية من خلال رسائل وخطابات مختومة بختمه صلى الله عليه وسلم وكانت تلك الرسائل تحمل حرص النبي صل الله عليه وسلم على إسلام هؤلاء الملوك وإبلاغ دعوته إليهم .
عن أنس ـ رضي الله عنه ـ : (أن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ كتب إلى كسرى وقيصر وإلى النجاشي - وهو غير الذي صلّى عليه وإلى كل جبّار يدعوهم إلى الله عز وجل )( مسلم ).
توجه سفراء الرسول صل الله عليه وسلم بالرسائل إلى النجاشي ملك الحبشة وإلى المقوقس عظيم القبط في مصر وإلى كسرى ملك الفرس وإلى هرقل عظيم الروم وإلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، وغيرهم من ملوك وأمراء ..
وكان اختيار النبي صل الله عليه وسلم لسفرائه قائما على مواصفات رباهم عليها، فكانوا يتحلون بالعلم والفصاحة والصبر والشجاعة والحكمة وحسن التصرف، وحسن المظهر .
فاختار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دحية الكلبي ، وأرسله إلى هرقل عظيم الروم . يقول ابن حجر في الإصابة عن دحية : " كان يُضرب به المثل في حسن الصورة ". وكان دحية ـ مع حسن مظهره ـ فارسا ماهرا، وعليما بالروم ..
وأرسل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبد الله بن حذافة إلى كسرى عظيم الفرس، وكان له دراية بهم ولغتهم، وكان ابن حذافة مضرب الأمثال في الشجاعة ورباطة الجأش .
وأرسل ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس ملك مصر حاطب بن أبي بلتعة ، وقد قال فيه ابن حجر في الإصابة :" كان أحد فرسان قريش وشعرائها في الجاهلية "، وكان له علم بالنصرانية، ومقدرة على المحاورة ..
رسالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهرقل عظيم الروم
عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما : (أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر، فإذا فيه :
" بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى: أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت عليك إثم الأريسيِّين
{ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }(آل عمران64)
وقد تسلم هرقل رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودقق في الأمر كما في الحديث الطويل المشهور بين أبي سفيان وهرقل، حين سأله عن أحوال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقال هرقل بعد ذلك لأبي سفيان :
( .. إن كان ما تقول حقاً فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه ) ( البخاري ). ومعنى تجشمت: تكلفت الوصول إليه، وارتكبت المشقة في ذلك . وفي رواية مسلم : " لأحببت لقاءه " .
كتاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى النجاشي ملك الحبشة
ذكر الواقدي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كتب إلى النجاشي كتابا، وأرسله مع عمرو بن أمية الضمري ، فيه:
(بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة، أسلم أنت، فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس، السلام المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم، وروح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البتول، فحملت به، فخلقه من روحه، ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني، وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتبع الهدى ).
يتبع..