ومن ذلك الإسراف في ماء الوضوء والغسل .
وقد روى أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو : " أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ، فقال : لاتسرف ، فقال : يا رسول الله ... أوفي الماء إسراف ؟ قال : نعم ، وإن كنت على نهر جار " .
وفي جامع الترمذي من حديث أبي بن كعب : أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان، فاتقوا وسواس الماء " .
وفي المسند والسنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يسأله عن الوضوء ، فأراه ثلاثا ثلاثا، وقال : هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم " .
وفي كتاب الشافي لأبي بكر عبد العزيز من حديث أم سعد قالت : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " يجزىء من الوضوء مد، والغسل صاع . وسيأتي قوم يستقلون ذلك، فأولئك خلاف أهل سنتي، والآخذ بسنتي في حظيرة القدس متنزه أهل الجنة " .
وفي سنن الأثرم من حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال : يجزىء من الوضوء المد ومن الغسل من الجنابة الصاع، فقال رجل : ما يكفيني ، فغضب جابر حتى تربد وجهه ، ثم قال : قد كفى من هو خير منك وأكثر شعرا .
وقد رواه الإمام أحمد في مسنده مرفوعا ، ولفظه عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " يجزىء من الغسل الصاع ومن الوضوء المد " .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها : أنها كانت تغتسل هي والنبي صلى الله تعالى عليه وسلم من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد ، أو قريبا من ذلك .
وفي سنن النسائي عن عبيد بن عمير: أن عائشة رضي الله عنها قالت : لقد رأيتني أغتسل أنا ورسول الله من هذا - فإذا تور موضوع مثل الصاع أو دونه - نشرع فيه جميعا ، فأقيض بيدي على رأسي ثلاث مرات ، وما أنقض لي شعرا .
وفي سنن أبي داود والنسائي عن عباد بن تميم عن أم عمارة بنت كعب أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : " توضأ ، فأتى بماء في إناء قدر ثلثي المد " .
وقال عبد الرحمن بن عطاء : سمعت سعيد بن المسيب يقول : إن لي ركوة أوقدحا ، ما يسع إلا نصف المد أو نحوه ، أبول ثم أتوضا منه ، وأفضل منه فضلا قال عبدالرحمن : فذكرت ذلك لسليمان بن يسار فقال : وأنا يكفيني مثل ذلك قال عبد الرحمن : فذكرت ذلك لأبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر فقال : وهكذا سمعنا من أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم رواه الأثرم في سننه .
وقال إبراهيم النخعي : كانوا أشد استيفاء للماء منكم ، وكانوا يرون أن ربع المد يجزىء من الوضوء .
وهذا مبالغة عظيمة ، فإن ربع المد لا يبلغ أوقية ونصفا بالدمشقي .
وفي الصحيحين عن أنس قال : " كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد " .
وفي صحيح مسلم عن سفينة قال : " كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يغسله الصاع من الجنابة ، ويوضئه المد " .
وتوضأ القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق بقدر نصف المد أو أزيد بقليل .
وقال إبراهيم النخعي : إني لأتوضا من كوزالحب مرتين .
وقال محمد بن عجلان : الفقه في دين الله إسباغ الوضوء وقلة إهراق الماء .
وقال الإمام أحمد : كان يقال : من قلة فقه الرجل ولعه بالماء .
وقال الميموني : كنت أتوضا بماء كثير، فقال لي أحمد : يا أبا الحسن ، أترضى أن تكون كذا ؟ فتركته .
وقال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : إني لاكثر الوضوء، فنهاني عن ذلك ، وقال : يا بني ، يقال : إن للوضوء شيطانا يقال له الولهان . قال لي ذلك غير مرة ، ينهاني عن كثرة صب الماء ، وقال لي : أقلل من هذا الماء يا بني .
وقال إسحاق بن منصور : قلت لأحمد : نزيد على ثلاث في الوضوء ؟ فقال : لا والله إلا رجل مبتلى .
وقال أسود بن سالم - الرجل الصالح شيخ الإمام أحمد : كنت مبتلى بالوضوء ، فنزلت دجلة أتوضأ ، فسمعت هاتفا يقول : يا أسود، يحيى عن سعيد الوضوء ثلاث ، ما كان أكثر لم يرفع ، فالتفت فلم أر أحدا .
وقد روى أبو داوود في سننه من حديث عبد الله بن مغفل قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : " سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء " .
فإذا قرنت هذا الحديث بقوله تعالى " إنه لا يحب المعتدين " وعلمت أن الله يحب عبادته، أنتج لك من هذا أن وضوء الموسوس ليس بعبادة يقبلها الله تعالى ، وإن أسقطت الفرض عنه ، فلا تفتح أبواب الجنة الثمانية لوضوئه يدخل من أيها شاء .
ومن مفاسد الوسواس : أنه يشغل ذمته بالزائد على حاجته، إذا كان الماء مملوكا لغيره كماء الحمام ، فيخرج منه وهو مرتهن الذمة بما زاد على حاجته ، ويتطاول عليه الدين حتى يرتهن من ذلك بشيء كثير جدا يتضرر به في البرزخ ويوم القيامة .
م/ن