بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين 00
الملائكة أولياء للأرواح الطبية
تفسير الرازي ج27 ص 567 سورة فصلت :
وبالجملة فكون الملائكة أولياء للأرواح الطبية الطاهرة حاصل من جهات كثيرة معلومة لأرباب المكاشفات
والمشاهدات، فهم يقولون :
كما أن تلك الولاية كانت حاصلة في الدينا فهي تكون باقية في الآخرة فإن تلك العلائق ذاتية لازمة غير قابلة للزوال، بل كأنها تصير بعد الموت أقوى وأبقى، وذلك لأن جوهر النفس من جنس الملائكة، وهي كالشعلة بالنسبة إلى المشي، والقطرة بالنسبة إلى البحر، والتعلقات الجسمانية هي التي تحول بينها وبين الملائكة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السموات» فإذا زالت العلائق الجسمانية والتدبيرات البدنية، فقد زال الغطاء والوطاء، فيتصل الأثر بالمؤثر، والقطرة بالبحر، والشعلة بالشمس، فهذا هو المراد من قوله {نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ وَفِى ٱلأٌّخِرَةِ} ثم قال:
{وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِىۤ أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} قال ابن عباس : {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} أي ما تتمنون، كقوله تعالى :
{لَهُمْ فِيهَا فَـٰكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} (يس: 57) فإن قيل فعلى هذا التفسير لا يبقى فرق بين قوله {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِىۤ أَنفُسُكُمْ} وبين قوله {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} قلنا: الأقرب عندي أن قوله {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِىۤ أَنفُسُكُمْ} إشارة إلى الجنة الجسمانية، وقوله {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} إشارة إلى الجنة الروحانية المذكورة في قوله {دَعْوَٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ}
تفسير الرازي ج15 ص445 الاعراف آيه 205 :
سمعت أن بعض الأكابر من أصحاب القلوب كان إذا أراد أن يأمر واحداً من المريدين بالخلوة والذكر، أمره بالخلوة والتصفية أربعين يوماً، ثم عند استكمال هذه المدة وحصول التصفية التامة، يقرأ عليه الأسماء التسعة والتسعين، ويقول لذلك المريد اعتبر حال قلبك عند سماع هذه الأسماء، فكل اسم وجدت قلبه عند سماعه قوي تأثره وعظم شوقه، فاعرف أن الله إنما يفتح أبواب المكاشفات عليك بواسطة المواظبة على ذكر ذلك الاسم بعينه، وهذا طريق حسن لطيف في هذا الباب.
وجاء في تفسير الرازي ج18 ص437 يوسف آيه22 :
أن جوهر النفس الناطقة خلقت قابلة للمعارف الكلية والأنوار العقلية، إلا أنه قد ثبت عندنا بحسب البراهين العقلية وبحسب المكاشفات العلوية أن جواهر الأرواح البشرية مختلفة بالماهيات فمنها ذكية وبليدة ومنها حرة ونذلة ومنها شريفة وخسيسة، ومنها عظيمة الميل إلى عالم الروحانيات وعظيمة الرغبة في الجسمانيات فهذه الأقسام كثيرة وكل واحد من هذه المقامات قابل للأشد والأضعف والأكمل والأنقص فإذا اتفق أن كان جوهر النفس الناطقة جوهراً مشرقاً شريفاً شديد الاستعداد لقبول الأضواء العقلية واللوائح الإلهية، فهذه النفس في حال الصغر لا يظهر منها هذه الأحوال، لأن النفس الناطقة إنما تقوى على أفعالها بواسطة استعمال الآلات الجسدانية وهذه الآلات في حال الصغر تكون الرطوبات مستولية عليها، فإذا كبر الإنسان واستولت الحرارة الغريزية على البدن نضجت تلك الرطوبات وقلت واعتدلت، فصارت تلك الآلات البدنية صالحة لأن تستعملها النفس الإنسانية وإذا كانت النفس في أصل جوهرها شريفة فعند كمال الآلات البدنية تكمل معارفها وتقوى أنوارها ويعظم لمعان الأضواء فيها، فقوله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} إشارة إلى اعتدال الآلات البدنية، وقوله: {حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذٰلِكَ} إشارة إلى استكمال النفس في قوتها العملية والنظرية،
والله أعلم.
وجاء في تفسير الرازي ج21 ص485 الكهف آيه 65 :
ان من طرق العلم أن يسعى الإنسان بواسطة الرياضات والمجاهدات في أن تصير القوى الحسية والخيالية ضعيفة فإذا ضعفت قويت القوة العقلية وأشرقت الأنوار الإلهية في جوهر العقل، وحصلت المعارف وكملت العلوم من غير واسطة سعي وطلب في التفكر والتأمل، وهذا هو المسمى بالعلوم اللدنية، إذا عرفت هذا فنقول: جواهر النفس الناطقة مختلفة بالماهية فقد تكون النفس نفساً مشرقة نورانية إلهية علوية قليلة التعلق بالجواذب البدنية والنوازع الجسمانية فلا جرم كانت أبداً شديدة الاستعداد لقبول الجلايا القدسية والأنوار الإلهية.