الحمدلله ربِّ العالمين والصَّﻼة والسَّﻼم على رسوله اﻷمين وعلى آله وأصحابه الطَّاهرين وبعد،
أخي المريض شفاك الله اعلم أنَّ الله -سبحانه وتعالى- لم يخلق شيئًا إﻻ وفيه نعمةٌ إمَّا على جميع عباده أو على بعضهم، وأنَّ الله خلق البﻼء نعمة أيضًا، إمَّا على المبتلي أو على غير المبتلي حتَّى إنَّ ألم الكفار في نار جهنَّم نعمةٌ ولكنَّها في حقِّ غيرهم من العباد من النّعم، فلوﻻ الليل لما عرف قدر النَّهار، ولوﻻ المرض لما عرف قدر الصِّحَّة وكذا الفقر والسَّماء والجنَّة ففرح أهل الجنَّة ورؤية أهل النَّار وما هم فيه من العذاب.*
وكم من بﻼءٍ يكون نعمةً على صاحبه قرب عبد تكون الخيرة له فى الفقر والمرض ولو صحَّ بدنه وكثر مالع لبطر وبغى.*
قال -تعالى-: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي اﻷَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشُّورى: 27].
فإليك أخي المريض فوائد هذه النِّعمة:
1- الصَّبر
فإنَّ الله -تعالى- إنَّما خلقه لﻼبتﻼء واﻻمتحان فيستخرج منهم عبودية السَّراء وهي الشُّكر وعبودية الضَّراء وهي الصَّبر وهذا ﻻ يتمُّ إﻻ بأن يقلب الله اﻷحوال على العبد حتَّى يتبيَّن صدق عبوديته لله -تعالى- ويتعرَّض بذلك العبد للثَّواب.*
قال -تعالى-: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ اﻷَمْوَالِ وَاﻷَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157].
2- تمحيص وتكفير الذُّنوب والخطايا:
إنَّ المرض قد يكون عقوبةٌ على ذنبٍ وقع من العبد، وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدُّنيا خيرٌ له، حتَّي تكفر عنه ذنوبه ويلقى الله وما عليه خطيئه فساعات الوجع يذهبن ساعات الخطايا والذُّنوب تكفِّرها المصائب واﻻﻵم واﻷمراض.
قال -تعالى-: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشُّورى: 30].*
وقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: إذا أراد الله بعبده الخير عجَّل له العقوبة في الدُّنيا، وإذا أراد الله بعبده الشَّرَّ أمسك عنه بذنبه حتَّى يوافي به يوم القيامة» [رواه التِّرمذي 2396 وقال اﻷلباني: حسن صحيح].
3- رفع الدَّرجات والمنزلة وحصول اﻷجر العظيم:*
من فوائد المرض أنَّ العبد إذا صبر عليه فإنَّه يثاب بكتابة الحسنات له ورفع الدَّرجات وحصول اﻷجور العظيمة.
قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ما من مسلمٍ يشاك شوكةً فما فوقها إﻻ كتبت له بها درجة، ومحيت عنه خطيئة» [رواه مسلم 2572]
4- سبب في دخول الجنَّة:*
ﻻ تنال الجنَّة إﻻ بما تكرهه النَّفس من أحوال الدُّنيا المتقلبة فبهذه المكاره ينال العبد الجنَّة والرُّضوان من الله -تعالى- قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: حفَّت الجنَّة بالمكاره، وحفَّت النَّار بالشَّهوات» [رواه مسلم 2822].
5- النَّجاة من النَّار:*
عن أبي هريرة عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: أنَّه عاد مريضًا ومعه أبو هريرة ومن وعك كان به فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم-: أبشر فإنَّ الله يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدُّنيا لتكون حظه من النَّار في اﻵخرة» [رواه ابن ماجه 2811 وصحَّحه اﻷلباني].
6- سببٌ في ردِّ العبد إلى موﻻه وخالقه*
من فوائد المرض وغيره من المصائب أنَّه يرد العبد الشَّارد عن ربِّه إليه ويذكره بموﻻه بعد أن كان غافلًا ويكفُّه عن معصيته بعد أن كان منهمكًا فيها.
قال -تعالى-: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [اﻷعراف: 168].
وقال -تعالى-: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [اﻷنعام: 42].
فالمرض يريك فقرك وحاجتك إلى الله -عزَّ وجلَّ- وأنَّه ﻻ يغنى لك عنه طرفة عينٍ.*
وقال سفيان بن عينية -رحمه الله-: "ما يكره العبد خيرٌ له ممَّا يحبّ؛ ﻷنَّ ما يكرهه يهيجه للدُّعاء وما يحبُّه يليه".
وقال شيخ اﻻسﻼم ابن تيمة -رحمه الله-: "مصيبةٌ تقبل بها على الله خيرٌ لك من نعمةٍ تنسيك ذكر الله".
7- طهارة القلب من اﻷمراض*
وفي ذلك يقول ابن القيّم -رحمه الله-: "لوﻻ محن الدُّنيا ومصائبها ﻷصاب العبد من أدواء الكبر والعجب والفرعنة وقسوة القلب ما هو سبب هﻼكه عاجلًا وآجلًا".
فانتفاع القلب والرُّوح باﻷﻻم واﻷمراض ﻻ يحس به إﻻ من فيه حياة فصحة القلوب واﻷرواح موقوفة على آﻻم اﻷبدان ومشاقها.
8- تذكير المؤمن بحال إخوانه المرضى*
فإن تعرض المؤمن لﻼبتﻼء باﻷمراض يجعله يتذكر إخوانه المرضي الَّذين طالما غفل عنهم في حالة صحَّته.
9- تذكير المؤمن بنعمة الصِّحَّة*
من فوائد المرض أيضًا أنَّ المرء يعرف ثمن نعمة الصِّحَّة فيكون دائمًا حامدًا لله شاكرًا له.
يقول الرَّسول -صلَّى الله عليه وسلَّم-: من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه فكأنَّما حيزت له الدُّنيا» [رواه التِّرمذي 2346 وابن ماجه 3357 وحسَّنه اﻷلباني].
10- تجديد التَّوبة واﻻستيقاظ من الغفلة:*
من فوائد المرض أنَّه يتيح للمريض فترة سكونٍ طويلةٍ يخلو بها بنفسه ويراجع ماضيه وينظر إلى مستقبله ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب يوم القيامة، فيستغفر ذنوبه ويتوب فعندما يخرج من باب المرض يكون سطر صحائفه أنَّه من التَّوابين.*
11- الحضُّ على الصَّدقة والبذل*
فعندما يشاهد ا لمريض نفسه وهو على السَّرير اﻷبيض يتذكر إخوانه المرضى الَّذي ﻻ يملكون ثمن الدَّواء أو ثمن العﻼج فيكون هذا دافع إلى البذل والصَّدقة والعطاء فالمريض آيةٌ وعظةٌ ومثالٌ وبرهانٌ للضُّعفاء.
12- عﻼمة حبِّ الله -تعالى- للعبد:
المرض ابتﻼء للعبد عﻼمة حبِّ من الله -سبحانه وتعالى- له فالمرض كالدَّواء فإنَّه وإن كان مرًّا، إﻻ إنَّك تقدمه على مرارته لمن تحبّ وإن الله -تعالى- إذا أحبَّ قومًا ابتﻼهم.*
13- زيادة اﻹيمان:*
من ثمرات المرض وفوائده للمؤمن، زيادة اﻹيمان بالله والتَّوكل عليه وحسنُّ الظَّنِّ به -سبحانه- وأن النَّفع والضُّرَّ بيده.
14- زيادة المودة والرَّحمة بين المسلمين:
فكم من خصام ومشاحنات بين المسلمين آذابها المرض فكم من قريبٍ انقطع عن قريبه وبمجرد أن يمرض أحدهما يسرع اﻵخر ليسأل عنه.
15- يكتب للمريض ما كان يعمل من أعمالٍ صالحةٍ فى حال الصِّحَّة:*
كثير من المرضى كانوا يعملون أعمالًا صالحةً قبل المرض فيبتلى بالمرض فﻼ يستطيع العمل ما كان عليه من الخير والطَّاعات والنَّوافل وهنا يحضرنا قول الحبيب -صلَّى الله عليه وسلَّم-: إذا ابتلى الله العبد المسلم ببﻼءٍ في جسده، قال الله -عزَّ وجلَّ-: اكتب له صالح عمله، فإن شفاه غسله وطهره، وإن قبضه غفر له و رحمه» [حسَّنه اﻷلباني 258 في صحيح الجامع].
16- استجابة الدُّعاء حال المرض:*
ومن فوائد المرض استجابة الدُّعاء حال المرض قال -تعالى-: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ اﻷَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيﻼ مَا تَذَكَّرُونَ} [النَّمل: 62].*
17- المرض نعمةٌ ومنحةٌ:*
من خﻼل ما تقدم ذكره من فوائد المرض وثمراته يتضح لك جليًّا أن ما أنت فيه من مرض وما تعانيه من آﻻم وما يقلقك من متاعب نعمةٍ ومنحةٍ من الهف؛ ليحصد العبد الثَّمرات ولقد قال بعض السَّلف: "أن من قبلكم كان إذا أصاب أحدهم بﻼءٌ عدَّه رخاءٌ وإذا أصاب رخاء عدَّه بﻼء".*
وقال ابن القيِّم -رحمه الله-: "لو علم العبد أن نعمة الله عليه فى البﻼء ليست بدون نعمةٍ في العافية لشغل قلبه ولسانه بشكره".*
وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبة وسلَّم*
م/ن