بسم الله الرحمن الرحيم:
اعلم أن الوصول إلى الله تعالى هو من باب النبي صلى الله عليه وسلم و لا مطمع لأحد في الوصول إلى الله بدونه فإنما معنى ذلك بمتابعة شرعه و اقتفاء سبيله و التخلق بأخلاقه و التأدب بآدابه مع إخلاص الوجه في ذلك كله إلى الله تعالى. أما الشيخ في الطريق فهو بمنزلة الدليل يعرف الطريق و مخاوفها و يُعِدُّ لكل محل مايستحق من الراحة و الزاد و هو للأرواح و القلوب بمنزلة الطبيب الماهر في معرفة الأمراض العارضة و من أين مادتها و كيفية معالجتها كما و كيفا و معرفة الأدوية التي يلقيها على تلك الأمراض حتى تعود القلوب و الأرواح إلى كمال صحتها، فهذه هي غايةالشيخ، أما ما وراء ذلك من الفيوض و التجليات و الأنوار، فذلك فضل الله يؤتيه منيشاء. فالخلق و الفعل لله و الدلالة للشيوخ. و قال سيدي أحمد التجاني رضي الله عنهما يصل شيء في الوجود من العلم مطلقا إلا من صهريج علي رضي الله عنه لأنه باب مدينةعلمه صلى الله عليه و سلم. و سئل الجنيدي رضي الله عنه كيف السبيل إلى الانقطاع إلىالله تعالى فقال "بتوبة تزيل الاصرار و خوف يزيل التسويف و رجاء يبعث على مسالك العمل و إهانة النفس بقربها من الأجل و بعدها من الأمل"،
و مراحل ذلك تبدأ بملء القلب بذكر الله تعالى فيصير بذلك مطمئنا،و من الطمأنينة ينتقل إلى المراقبة و هي حالة عزيزة ما نالها إلا الأفراد يعنيأفراد السالكين فإنها إن دامت للعبد و تمكن أمرها من القلب خرجت به إلى الذهول عنالأكوان ثم إلى السكر عنها و هو أعلى من الذهول ثم إلى الفناء عن الأكوان مع شعورهبفنائه ثم إلى الفناء عن الفناء، فلم يبق إلا الحق بالحق عن الحق و هو باب المدخلإلى محبة الذات و هي غاية الغايات. فأولياء الجن دورانهم حول الفعل و سر الفعل ونور الفعل، و الروحانيون دورانهم حول الاسم و سر الاسم و نور الاسم، و الملائكة دورانهم حول الصفات و سر الصفات، أما أولياء الآدميين فدورانهم حول الذات و سرالذات و نور الذات قد علم كل أناس مشربهم، و أول مرتبة للآدمي يطلع عليها في الكشفهي مرتبة الجن ثم يترقى إلى الرابعة.................
كيفية الانقطاع إلى الله تعالى بالعلم الرياضي و ممارسته:
اعرف كيف تعدل مزاجك: وذلك بلزوم طريق الاعتدال في الأكل و الشرب من غير إفراط و لا تفريط ثم مقابلة كلّ بما يقويه و يقيه من الانحراف.
اعرف غاية قصدك: وهي رفع الحجاب عن روحك ورده إلى حالة الصفاءالتي كان عليها قبل التركيب في الجسد فإن هذا هو الذي يكون به إدراك سائر العلوم والمعارف و الأحوال و الأخلاق و المقامات و الفتوحات و المواهب و القرب الحقيقي و بهإدراك سعادة الدنيا و الآخرة و من فقده لم يصل إلى سعادة الآخرة.
اعرف كيفية السعي إليه: و ذلك بمتابعة الرسول صلى الله عليه و سلم في سائر قوله و فعله و حاله و خلقه بإقامة حقوق الله عز و جل سرا و إعلانا مخلصالله من جميع الشوائب الدنيوية و الأخروية و أن يكون ذلك كله تعظيما و إجلالا للهتعالى على بساط الرضا و التسليم و التفويض و الاعتماد عليه تعالى في كل شيء والرجوع إليه في كل شيء.
اعرف الحجاب القاطع عن مطلوبك: وهو غرق الروح في بحر الحظوظ والشهوات و تعظيم نفسها و السعي في جلب مصالحها و دفع مضارها.
اعرف كيفية زوال هذا الحجاب (ليصل إلى غاية المقصد): السعي في قطع الحظوظ و الشهوات و ترك تعظيم النفس و قطع السعي في جلب مصالحها و قطع مضارهابالزهد فيها بالكلية لكن برفق و لطف.
اعرف أصول الحجاب التي منها مواده: فهي كثرة الأكل و الشرب وملاقاة الخلق و كثرة الكلام و كثرة المنام و دوام الغفلة عن ذكر الله .
كن جادا في قطع تلك الأصول: وذلك بالجوع و العطش بالرفق و دوام الانقطاع عن ملاقاة الخلق و دوام الصمت مطلقا إلا فيما قل من ضرورياته و دوام السهربالرفق و مداومة ذكر الله بالقلب و اللسان و قطع الفكر في المحسوسات.
اعرف الأمور التي بها زوال الحجاب إما كلية أو تفصيلا: وذلك بدوامذكر الله بالقلب و اللسان دائما بأي ذكر كان، ثم إن الأذكار التي بها زوال الحجاب نوعان: منها الكليات و هي التي تقطع كل حجاب عن الروح من أي أمر كان ، و منهاالتفصيلات التي لا تقطع إلا حجابا من نوع واحد. أما الكليات ففي لا إله إلا الله أوالصلاة عليه صلى الله عليه و سلم أو سبحان الله أو الحمد لله أو الله أكبر أو بسمالله الرحمن الرحيم أو الله الله الله أو الله لا إله إلا هو الحي القيوم و أماالتفصيلات فهي سائر الأسماء الحسنى و كل اسم يذهب بجزء من الحجاب و لا يتعدى للجزءالآخر. بهذه المعارف وبالعزم و ركوب جواد المجاهدة تصل إلى الله و الله الموفق.
منقول