بسم الله الرحمن الرحيم
حالت ظروف عمله الشاقة بينه وبين قيام الليل دهراً من الزمن، حيث النوم المتأخر جبراً بعد عناء ومشقة العمل جسدياً، وبين أوقات عمله المختلفة، وكان لخبرته السابقة بحلاوة مذاق قيام الليل؛ يشعر بالمذلة والمهانة؛ بسبب ضياع هذا الخير الكثير منه، وانهماكه في مشاغل الحياة الرخيصة الدونية!!
ومع مرور الوقت؛ تحول هذا الشعور إلى نوع من الاستسلام لليأس والضعف الذي انعكس سلبياً على إيمانياته؛ وجعل بنيانه الإيماني يتآكل؛ بسبب غلبة هموم الدنيا من جهة، وقلة الطاعات وكثرة الملهيات ومعايشة بيئات الغفلات من جهة أخرى!!
وبدأت تصرفاته شيئاً فشيئاً تتعدى الخطوط الحمراء التي كان تجاوزها في السابق أمراً شبه مستحيل!! وما أن بلغت أقدامه أولى حواف مسستنقع المعاصي والزلات؛ حتى داهمته بشدة، مشاعر ٌمن الخوف والقلق والشعور بفقدان العناية الإلهية، مختلطة بمزيج عجيب من ضيق واضطراب النفس وفقدان بريق الحياة برمتها!!
اختلى بنفسه في لحظة قلق شديد، فحاول البحث عن أسباب تلك المشاعر الغريبة التي سيطرت على نفسه؛ حتى أفقدته بالفعل بهجة الحياة!! فكانت أولى الإجابات التي استلهمها من بقايا إيمانه : (لقد ابتعدت خطاك كثيراً عن الطريق . . فأين تذهب من قدرة الله عليك . . في حين أنك أحوج ما تكون إليه؟!) فاضت من عينه دمعة وهو يقول في نفسه : (لو أراد الله بي شراً؛ لما جعلني استشعر هذه الوحشة لعلني استفيق وأرجع!! ومعنى ذلك أن الله يريد رحمتي بالعودة مجدداً إلى الطريق!! فلك الحمد ربي كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك)!!
أصر في هذه الليلة على الاستيقاظ لصلاة الليل، مهما بلغ به العناء مبلغه، (وصدق الله، فصدقه الله) فقام في جوف الليل، وما أن بدأ أولى ركعاته، حتى استشعر موقف المذنب المستعتب الذي باعدت به خطواته
أبو مهند القمري