وقفة قبل تكفير مسلم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين :
لخطورة القول بكفر المسلم وما يتبعه من أحكام في الحال والمآل، فإن القرآن الكريم والسنة الشريفة يحذران من إطلاق هذا الحكم من غير تبينٍ ولا تثبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذر من تكفير المسلم أشد التحذير فقال: ( إذا قال الرجل لأخيه : يا كافر، فقد باء بها أحدهما ( .
وقال تعالى :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } النساء94
قال الامام القرطبي رحمه الله تعالى : " معنى قوله:]فتبينوا[أي الأمر المشكل، أو تثبتوا ولا تعجلوا، المعنيان سواء، فإن قتله أحد فقد أتى منهياً عنه ".
ويروي أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك( .
والتكفير استباحة لما حرمه الله من عرض المسلم، الذي أكد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حرمته في خطبته العظيمة في حِجة الوداع، فقال: ((فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، فليبلغ الشاهد الغائب( .
ويقول ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: "وهذا وعيد عظيم لمن أكفر أحداً من المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين، ومن المنسوبين إلى السنة وأهـل الحديث لما اختلفـوا في العقائد، فغلظوا على مخالفيهم، وحكموا بكفرهم".
وفي بيان معنى الحديث قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: " والتحقيق أن الحديث سيق لزجر المسلم من أن يقول ذلك لأخيه المسلم … وقيل: معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره … فمعنى الحديث: فقد رجع عليه تكفيره، فالراجع التكفير لا الكفر، فكأنه كفَّر نفسه لكونه كفَّر من هو مثله...
وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى :.. والحاصل أن المقول له إن كان كافراً كفراً شرعياً، فقد صدق القائل، وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرَّة ذلك القول وإثمه".
وفي حديث آخر يُشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلمتكفير المسلم بأعظم ذنب بعد الشرك بالله، وهو تعمد قتل المؤمن، فيقول: ((ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله( .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: " فقد باء القائل بذنب كبير وإثم عظيم، واحتمله بقوله ذلك، وهذا غاية في التحذير من هذا القول والنهي عن أن يقال لأحد من أهل القبلة: يا كافر".
فالقرآن الكريم والسنة الشريفه ينهيان عن تفسيق المسلم وتكفيره [ إلا ]ببيان لا إشكال فيه". .
ولغلظ أمر التكفير وشدة خطورته كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمتنعون عن إطلاق التكفير والتفسيق على أهل القبلة.
روى ابن عبد البر عن أبي سفيان قال: "قلت لجابر: أكنتم تقولون لأحد من أهل القبلة: كافر؟ قال: لا. قلت: فمشرك؟ قال: معاذ الله. وفزع".
ولما سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه عليه وعلى آل البيت كل الصلاة والتسليم عن أهل الجمل وصفين: أمشركون هم؟ قال: لا، من الشرك فروا. فقيل: أمنافقون؟ قال: لا، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: له فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا".
.
ومما سبق : ثبت يتضح أن الأصل في المسلم براءة الذمة ، وأن الاعتداء عليه بتكفيره من أعظم ما توعد الله فاعله بوعيده، فقد توعده بالإثم العظيم أو الكفر ، جزاء إقدامه على الولوغ في عرض أخيه المسلم
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهو يقول الحق وهو يهدي السبيل والحمد له رب العالمين