معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( وَلا يَنْفَع ذَا الْجَدّ مِنْك الْجَدّ )
ـ معنى قوله صلى الله عليه وسلم
( وَلا يَنْفَع ذَا الْجَدّ مِنْك الْجَدّ )
قال الحافظ : قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْجَدّ الْغِنَى ،
وَيُقَال الْحَظّ , قَالَ :
وَ " مِنْ " فِي قَوْلُهُ " مِنْك " بِمَعْنَى الْبَدَل ,
قَالَ الشَّاعِر :
فَلَيْتَ لَنَا مِنْ مَاء زَمْزَم شَرْبَة مُبَرَّدَة بَاتَتْ عَلَى الطَّهَيَان
يُرِيد لَيْتَ لَنَا بَدَل مَاء زَمْزَم ا هـ
وَفِي الصِّحَاح : مَعْنَى " مِنْك " هُنَا عِنْدك ,
أَيْ لا يَنْفَع ذَا الْغِنَى عِنْدك غِنَاهُ ,
إِنَّمَا يَنْفَعهُ الْعَمَل الصَّالِح .
وَقَالَ اِبْن التِّين : الصَّحِيح عِنْدِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَعْنَى الْبَدَل وَلا عِنْد ,
بَلْ هُوَ كَمَا تَقُول :
وَلا يَنْفَعك مِنِّي شَيْء إِنْ أَنَا أَرَدْتُك بِسُوءٍ .
وَلَمْ يَظْهَر مِنْ كَلامه مَعْنًى ,
وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا بِمَعْنَى عِنْد ،
أَوْ فِيهِ حَذْف تَقْدِيره مِنْ قَضَائِي أَوْ سَطْوَتِي أَوْ عَذَابِي .
وَاخْتَارَ الشَّيْخ جَمَال الدِّين فِي الْمُغْنِي الأَوَّلَ .
قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد :
قَوْلُهُ مِنْك يَجِب أَنْ يَتَعَلَّق بِيَنْفَعُ ,
وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُون يَنْفَع قَدْ ضُمِّنَ مَعْنَى يَمْنَع وَمَا قَارَبَهُ ,
وَلا يَجُوز أَنْ يَتَعَلَّق مِنْك بِالْجَدِّ كَمَا يُقَال حَظِّي مِنْك كَثِير لأَنَّ ذَلِكَ نَافِع ا هـ .
وَالْجَدّ مَضْبُوط فِي جَمِيع الرِّوَايَات بِفَتْحِ الْجِيم وَمَعْنَاهُ الْغِنَى كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّف عَنْ الْحَسَن ,
أَوْ الْحَظّ . وَحَكَى الرَّاغِب أَنَّ الْمُرَاد بِهِ هُنَا أَبُو الأَب , أَيْ لا يَنْفَع أَحَدًا نَسَبه .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : حُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرو الشَّيْبَانِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ
وَقَالَ : مَعْنَاهُ لا يَنْفَع ذَا الاجْتِهَاد اِجْتِهَاده . وَأَنْكَرَهُ الطَّبَرِيُّ .
وَقَالَ الْقَزَّاز فِي تَوْجِيه إِنْكَاره :
الاجْتِهَاد فِي الْعَمَل نَافِع لأَنَّ اللَّه قَدْ دَعَا الْخَلْق إِلَى ذَلِكَ , فَكَيْف لا يَنْفَع عِنْده ؟
قَالَ : فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد أَنَّهُ لا يَنْفَع الِاجْتِهَاد فِي طَلَب الدُّنْيَا وَتَضْيِيع أَمْر الآخِرَة
وَقَالَ غَيْره : لَعَلَّ الْمُرَاد أَنَّهُ لا يَنْفَع بِمُجَرَّدِهِ مَا لَمْ يُقَارِنهُ الْقَبُول , وَذَلِكَ لا يَكُون إِلا بِفَضْلِ اللَّه وَرَحْمَته ,
كَمَا تَقَدَّمَ فِي شَرْح قَوْلُهُ :
" لا يُدْخِل أَحَدًا مِنْكُمْ الْجَنَّةَ عَمَلُهُ " .
وَقِيلَ الْمُرَاد عَلَى رِوَايَة الْكَسْر السَّعْي التَّامّ فِي الْحِرْص أَوْ الإِسْرَاع فِي الْهَرَب .
قَالَ النَّوَوِيّ :
الصَّحِيح الْمَشْهُور الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنَّهُ بِالْفَتْحِ ،
وَهُوَ الْحَظّ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ أَوْ الْوَلَد أَوْ الْعَظَمَة أَوْ السُّلْطَان ,
وَالْمَعْنَى لا يُنَجِّيه حَظّه مِنْك , وَإِنَّمَا يُنَجِّيه فَضْلك وَرَحْمَتك .[1]
[1] الفتح (2/386-387) .