درر مما جاء في العقل وذم الهوى
نعمة العقل ما أعظمها من نعمه...
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :لقد سبق إلى جنات عدن أقوام ما كانوا بأكثر الناس صلاة ولا صياما ولا حجا ولا اعتمارا ولكنهم عقلوا عن الله عز و جل مواعظه فوجلت منهم قلوبهم واطمأنت إليه النفوس وخشعت منهم الجوارح ففاقوا الخليقة بطيب المنزلة وحسن الدرجة عند الناس في الدنيا وعند الله في الآخرة
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه قال أنبأنا أبو الحسن الحمامي قال أنبأنا إبراهيم بن أحمد القرميسيني قال سمعت أحمد بن صالح قال حدثنا ابن عائشة قال ولد لكسرى مولود فأمر فجيء ببعض أهل الأدب وجيء بالمولود فوضع بين يديه فقال له كسرى ما خير ما أوتى هذا المولود قال عقل يولد معه قال فإن عدمه قال أدب حسن يعيش به بين الناس قال فإن عدم ذلك قال صاعقة تحرقه
وقال بعض العلماء لما أهبط الله آدم إلى الأرض أتاه جبريل بثلاثة اشياء الدين والعقل وحسن الخلق فقال إن الله يخيرك واحدا من هذه الثلاثة فقال يا جبريل ما رأيت احسن من هؤلاء إلا في الجنة فمد يده إلى العقل فضمه إلى نفسه فقال لذينك اصعدا قالا لا نفعل قال أتعصياني قالا لا نعصيك ولكنا أمرنا أن نكون مع العقل حيثما كان فصارت الثلاثة إلى آدم
وقال وهب بن منبه إني وجدت في بعض ما أنزل الله على أنبيائه أن الشيطان لم يكابد شيئا أشد عليه من مؤمن عاقل وأنه يكابد مائة جاهل فيستجرهم حتى يركب رقابهم فينقادون له حيث شاء ويكابد المؤمن العاقل فيصعب عليه حتى ما ينال منه شيئا من حاجته
قال وهب ولإزالة الجبل صخرة صخرة وحجرا حجرا أشد على الشيطان من مكابدة المؤمن العاقل فإذا لم يقدر عليه تحول إلى الجاهل فيستأسره ويستمكن من قياده حتى يسلمه إلى الفضائح التي يتعجل بها في الدنيا الجلد والحلق وتسخيم الوجه والقطع والرجم والصلب وإن الرجلين يستويان في أعمال البر ويكون بينهما كما بين المشرق والمغرب أو أبعد إذا كان أحدهما أعقل من الآخر وما عبد الله بشيء أفضل من العقل
وقال معاذ بن جبل لو أن العاقل أمسى وأصبح وله ذنوب بعدد الرمل كان وشيكا بالنجاة والسلامة والتخلص منها ولو أن الجاهل أمسى وأصبح وله من الحسنات وأعمال البر عدد الرمل لكان وشيكا ألا يسلم له منها مثقال ذرة قيل وكيف ذلك قال لأن العاقل إذا زل تدارك ذلك بالتوبة والعقل الذي قسم له والجاهل إنما هو بمنزله الذي يبني ويهدم فيأتيه من جهله ما يفسد صالح عمله
وقال معاوية بن قرة إن القوم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون يوصومون وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم
وسئل ابن المبارك ما خير ما أعطى الرجل قال غريزة عقل قيل فإن لم يكن قال أدب حسن قيل فإن لم يكن قال أخ صالح يستشيره قيل فإن لم يكن قال صمت طويل قيل فإن لم يكن قال موت عاجل
في ذم الهوى
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا أبو الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :لما خلق الله عز و جل الجنة والنار أرسل جبريل يعني إلى الجنة فقال انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فجاء فنظر إليها وإلى ما أعد الله عز و جل لأهلها فيها فرجع إليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها
فأمر بها فحجبت بالمكاره وقال ارجع إليها فانظر إليها فرجع فإذا هي قد حجبت بالمكاره فقال لقد خشيت ألا يدخلها أحد
قال فانظر إلى النار وإلى ما اعددت لأهلها فيها فجاءها فنظر إليها وإلى ما أعد لأهلها فيها فإذا هي يركب بعضها بعضا فرجع إليه فقال عزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها فأمر بها فحفت بالشهوات وقال له ارجع إليها فانظر إليها فإذا هي قد حفت بالشهوات فرجع إليه فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو أحمد الباقلاوي قال أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد المحاملي قال حدثنا أبو جعفر بن يزيد قال حدثنا أبو بكر بن المرزبان قال حدثنا محمد بن أحمد الأذرمي قال حدثنا عبد الله بن محمد الجحشي قال حدثني بكر بن سليمان الصواف عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ثلاث منجيات وثلاث مهلكات فأما المنجيات فتقوى الله في السر والعلانية والقول بالحق في الرضا والسخط والقصد في الغنى الفقر
وأما المهلكات فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه وهي شرهن
قال القرشي وحدثني أبو علي المروزي قال أنبأنا عبدان بن عثمان قال أنبأنا عبد الله قال أنبأنا سعيد بن أبي أيوب قال حدثني بكر بن عمرو عن صفوان بن سليم قال ليأتين على الناس زمان تكون همة أحدهم فيه بطنه ودينه هواه
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد الحداد قال أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال حدثنا بن محمد بن الحجاج قال حدثنا محمد بن علي بن خلف قال حدثنا زهير بن عباد قال حدثنا منصور بن عمار قال قال سليمان بن داود الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده
أخبرنا ابن حبيب قال حدثنا ابن أبي صادق قال أنبأنا ابن باكويه قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال مررت بأعرابي به رمد شديد ودموعه تسيل فقلت ألا تمسح عينيك فقال زجرني الطبيب ولا خير فيمن إذا زجر لا ينزجر وإذا أمر لا يأتمر فقلت أما تشتهي شيئا فقال أشتهي ولكن أحتمي لأن أهل النار غلبت شهواتهم فلم يحتموا فهلكوا
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالعزيز بن علي قال حدثنا ابن جهضم قال حدثنا أبو بكر النقاش قال حدثنا إدريس بن عبد الكريم قال حدثنا خلف بن هشام قال سمعت الفضيل بن عياض يقول من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق
من كتاب
ذم الهوى
لإبن الجوزي