تعريف مختصر للعدد واحد (1)
يظهر أنّ الشّاميّين عموما كانوا يستخدمون لفظة (رأس) بمعنى (واحد) ، تماما كما يقول اللبنانيون اليوم : (رأس غنم) ، و(رأس بقر) ، و(رأس خيل) ، يريدون واحدا من هذه الحيوانات . كذلك استخدموا اللفظ (أوّل) بالمعنى نفسه . وقد أطلق العرب في العصر الجاهلي ، على اليوم الأول من الأسبوع اسم (أوّل) ، والأوّل تعني مبتدأ الشيء ، يقال : (أوّل الغيث قطر ثمّ ينهمر) . قال البحتريّ :
وأزرق الفجر يبدو قبل أبيضه وأوّل الغيث قطر ثمّ ينهمر
ومن الطبيعي أن يسمى اليوم الأوّل من الأسبوع (أوّل) لأنه مبتدأ الأسبوع . واللفظ (واحد) من جذر ساميّ مشترك : (حد) ، ولا اعتبار للألف ، والواو ، والياء التي تضاف في أوّله . والمعنى الأصيل لهذا الجذر هو (الفصل) ، و(التفرقة) ، ومن ثمّ معنى الوحدة ، - ويظهر هذا المعنى واضحا في قول أبي تمّام :
السيف أصدق إنباء من الكتب في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب –
والضّم الذي هو إضافة وحدة إلى وحدة أخرى . ومن فكرة (الفصل) ، و(الحدّ) أخذوا فكرة الواحد المنفصل المستقلّ عن غيره . و(الأحد) في اللغة العربية هو (الوحيد الفرد) ، واسم من أسماء الله تعالى ، وهو الفرد الذي لم يزل وحده ، ولم يكن معه آخر . وما تزال اللغة السريانية تحتفظ بشكله الثّنائيّ الأوّل : Had . كذلك يظهر في اللغة العربية بدون ألف في أوّله بلفظ (حادي عشر) . أمّا في اللغة العبرية ، والسّبئيّة ، والفينيقيّة ، فيظهر هذا الجذر بألف في أوّله : Ehadh
العدد واحد في اللغة العربية القديمة ولهجاتها
في الجابلية (ط د) (ط ت) والمهرية (ط د) (طِ ت) والقتبانية (ط د) ومن المرجح أن مؤنث العدد واحد في القتبانية هو (ط ت) وهذا ما يؤكده النقش الذي اكتشف في مدينة (تمنع) كما هو الحال في لهجات العربية القديمة الجبالية ، والسبئية تختلف عن القتبانية ولهجات الأحقاف إذ أن العدد واحد يكتب في السبئية (ء ح د) (ء ح د ت) ونستطيع القول أن السبئية ومن خلال العدد (ء ح د) أكثر تطورا أو بمعنى آخر أنها أقرب إلى الفصحى ، ومن المرجح أن الهمزة قلبت إلى واو وفي مراحل لاحقة ومن بعد ذلك أضيفت الألف بين الواو والحاء ليأخذ العدد واحد شكله الذي نعرفه عليه الآن .
للشرح اللغوي للعدد واحد انتقل إلى موضوع الأعداد واللغة
الواحد عند الديانات والشعوب
عند المسلمين
جاء في القرآن الكريم في سورة البقرة : (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو) <163> . وفي سورة هود : (ولو شاء ربّك لجعل الناس أمّة واحدة) <118> .
يفخر البطل بانتمائه إلى الديانة الإسلامية حيث تقول الآية (لا إله إلا الله) . فالبطل هو المدافع الأساسي عن الفكرة الدينية التي نشأ عليها ، وهو يقاتل ويستشهد في سبيل الله وسبيل عقيدته . ويمكن أن نقول إن العدد واحد مسئول إلى حدّ ما عن هذا القتال .
ويروي التراث الإسلامي أنه إذا دخل شخص مسلم إلى بلاد أحد الملوك أو الأمراء من غير المسلمين ، فهو يقول في لهجة ملؤها التّحدّي : (سلامي ، في هذا البلاط ، على من يعرف أنه في ثمانية عشر ألف كون ، الله واحد) . وفي الإسلام يرمز إلى الله بالعدد واحد .
قال الله عزّ وجل في كتابه العزيز : (قل هو الله احد ، الله الصّمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد) .
عند المسيحيين
تؤمن المسيحية بإله واحد في ثلاثة أقانيم . ويقول القدّيس أثناسيوس (إنّ إله المسيحيين هو الإله الواحد) . ويحدّد القديس أغوسطينوس الوحدة بأنها تتمثّل (بالإله العظيم الواحد ، مبدأ الأشياء كلّها) .
عند العبرانيين
جاء في العهد القديم : (يهوه واحد اسمه واحد) ، ويعود الواحد إلى الرّب الإله ، فجاء في تثنية الإشتراع : (اسمع يا إسرائيل إنّ الرّب إلهنا ربّ واحد) <6:4> .
وفي الأبجدية العبرية ، يتطابق الواحد مع الحرف (N) الذي يمثل رجلا يرفع يده إلى السماء ويشير بالثانية إلى الأرض ، محقّقا الوحدة في الكون ، تلك الوحدة التي تعتبر مبدأ الحياة في خلاصة روح الكائن الآدميّ الكونيّ .
عند المتصوّفة