خصائص الإيمان كلنا يتمنى السعادة ويبحث عنها، وهذه السعادة قد يراها البعض في كثرة المال، أو في الجاه أو في السلطان، ولكن بلالا- رضي الله عنه- رآها في الإيمان بالله وهو يردد أَحَدٌ..أَحَدٌ، وهو ملقي على رمال مكة الملتهبة، في الصحراء الحارة وقت الظهيرة، وقد وضع المشركون حجرًا كبيرًا على صدره، يطارد أنفاسه، ويمنعها من الخروج، وهذه السعادة رآها (ابن تيمية) -رحمه الله- فقال: ماذا يصنع أعدائي بي؟ جنتي في صدري، لا يستطيعون أن ينزعوها مني، فإن نفوني فنفيي سياحة، وإن حبسوني فحبسي خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، في صدري كتاب الله وسنة رسوله.
فالإيمان له حلاوة لا يعرف طعمها إلا من ذاقها، والرسول ( يقول: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ( رسولا) [مسلم].
ويقول: (ثلاث مَنْ كُنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكونَ اللهُ ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) [متفق عليه].
وقال بعض الصالحين عن أعدائه: لو علموا ما في صدرونا من الإيمان؛ لقاتلونا عليه. فمن أراد السعادة في الدنيا فعليه بالإيمان، ومن أراد الآخرة فعليه بالإيمان، ومن أراد الأمان فعليه بالإيمان.
يقول الشاعر:
قُل للّذِي يبْغِي السَّعَادَةَ
هَلْ عَلِمْتَ مَن السَّعِيدْ؟
إِنَّ السَّعَادةَ أن نعيشَ
لفكرةِ الحقِّ التَّلِيدْ
لِعَقيدةٍ شــمَّـاءَ تَهْزَأُ
بالبُروقِ وبالرُّعُودْ
ما الإيمان؟
الإيمان في اللغة يعني التصديق ويتضح هذا المعنى من قصة يوسف عليه السلام، فعندما رجع إخوة يوسف إلى أبيهم يعقوب -عليه السلام- بعدما وضعوا يوسف في البئر، قالوا له: إن الذئب قد أكل يوسف، وجاءوا بقميصه وقد لطخوه بالدماء،ولكنهم أحسوا أنه لا يصدقهم، فقالوا له: {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} [يوسف: 17]. أي: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا صادقين.
أما الإيمان في الشرع فهو إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، وعمل بالجوارح، وهذا الإيمان له خصائص يختص بها. وهي:
1- الإيمان شرط لقبول الأعمال:
خرج الرسول ( قبل غزوة بدر، وفي الطريق لحق بهم رجل قد عرفت عنه الجرأة والقوة والشجاعة، ففرح أصحاب رسول الله حين رأوه، فاقترب الرجل من الرسول ( وقال له: جئت لأتبعك وأُصِيب معك. قال له رسول الله (: (تؤمن بالله ورسوله)، فقال الرجل: لا. قال (: (فارجع فلن أستعين بمشرك). فتركهم الرجل.
وبعد فترة عاد ولحق بهم، وقال للرسول ( كما قال أول مرة: فقال له النبي ( كما قال من قبل، فتركهم الرجل ثم عاد فلحق بهم مرة ثالثة، وقال كما قال أول مرة، فقال له النبي (: (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: نعم. فقال له (: (فانطلق) [مسلم].
يقول تعالى: {ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نفيرًا } [النساء: 124]. ويقول أيضًا: {ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورًا }
[الإسراء: 19].
2- الإيمان لا يكون باللسان فقط:
كان عبد الله بن أُبَي بن سلول -كبير المنافقين- يأتي إلى الرسول ( يشيد به (يمدحه)، ويعلن أمامه الإيمان بالله ورسوله (، فإذا خرج من عنده عاب الرسول ( وسبه، وكان يأمر المنافقين ألا يطيعوا الله ورسوله، فهؤلاء المنافقون أظهروا الإسلام ومتابعة الرسول (، وأبطنوا الكفر ومعاداة الله ورسوله، فقال الله عنهم: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرًا } [النساء: 145].
وقال أيضًا عنهم: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1].
3- الإيمان يدفع إلى العمل الصالح ويزيد منه:
الإيمان والعمل الصالح كالتوأم، قرن الله بينهما في القرآن الكريم ستين مرة، فكما أن الإيمان يكمل بالعمل الصالح، فإن العمل الصالح دليل على صدق الإيمان، قال (: (إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد فاشهدوا له بالإيمان) [الترمذي].
وهؤلاء هم أصحاب رسول الله ( يولدون في بيئة جاهلية لا تستغني عن شرب الخمر وإدمانها، ولكن عندما نزل قول الله -تعالى-: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون} [المائدة: 90]. وأمر الله -عز وجل- بالانتهاء عنها، وقال: {فهل أنتم منتهون} [المائدة:91]. فلما سمعوا ذلك؛ ألقوا كئوس الخمر من أيديهم حتى إن بعضهم كانت كأسه تكاد تلامس شفتيه، فلما جاءه الأمر من الله بالانتهاء، ألقى الكأس التي كان يشربها؛ طاعة وإذعانًا لأمر الله -تعالى-، وذهب كل واحد إلى بيته، وأراق ما فيه من خمر، حتى امتلأت شوارع المدينة برائحة الخمر لفترة طويلة.
لقد فعل الإيمان ما عجزت الدول الكبرى عن فعله، وأنفقت عليه المليارات، فقد أنفقت إحدى الدول الكبرى آلاف الملايين من أموالها حتى تقضي على مشكلة إدمان الخمور، ومع ذلك باءت جهودها بالفشل.
4- الإيمان يمنع من المعصية ويقللها:
والمعصية لا تُذهب الإيمان ولا تضيعه، وإن كانت تؤثِّر فيه وتضعفه، والإيمان يقلل من المعصية ويمنعها، فهذا رجل من الأمم السابقة يخرج في سفر مع ثلاثة نفر من أصحابه، وعندما أظلهم الليل، أرادوا المبيت، فدخلوا إلى غار في جبل ليقضوا فيه ليلتهم، وفجأة انحدرت صخرة عظيمة فسدَّت عليهم باب الغار، فقالوا: لن ينجيكم من هذا الموقف العصيب إلا أن تدعوا الله-عز وجل- بصالح أعمالكم.
فتقدم الأول ودعا الله-عز وجل-بأحسن أعماله، فانفرجت الصخرة قليلاً غير أنهم لا يستطيعون الخروج، وتقدم الثاني ودعا فزاد انفراج الصخرة، ولكنهم ما زالوا لا يستطيعون الخروج أيضًا، فتقدم الثالث وقال: يارب إنك تعلم أنه كان لي ابنة عم، وكنت أحبها حبًّا شديدًا، فكانت أَحَبَّ الناس إلي، فأردتُ أن أفعل معها مثل ما يفعل الرجل مع زوجته، فراودتُها عن نفسها، ولكنها امتنعت مني، ومرت السنوات وأحاط بها الفقر من كل جانب، فجاءت إلى وطلبت مني مالا فأعطيتها المال على أن تجيبني إلى ما طلبت منها من قبل، بأن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلتُ، حتى إذا قدرتُ عليها قالت وهي ترتجف وترتعد: يا عبد الله اتق الله ولا تَفُضَّ الخاتم إلا بحقه- أي لا يحل لك أن تستمتع بي إلا بالزواج الحلال-، فقمتُ عنها وهي أحب الناس إلي، وتركتُ لها المال الذي أعطيتُها.. اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء مرضاتك، فافرج ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون.
وهكذا منعه الإيمان من ارتكاب فاحشة الزنى. والمؤمن إذا همَّ بعمل يغضب الله، تذكَّر أنه -سبحانه وتعالى- مطلع عليه ومراقبه، فيمتنع عما يغضب
الله -عز وجل-.
يتبع