الإخلاص يمنح المخلص قوة روحية هائلة، مستمدة من سمو الغاية التي أخلص لها نفسه، وحرر لهاإرادته، وهو رضا الله فهو موصول بالقوة التي لا تضعف، والقدرة التي لاتعجز، ولهذا كان في تجرده وإخلاصه أقوى من كل قوة مادية يراها الناس.
وذكر الغزالي في "الإحياء" قصة ترمز على ما يمنحه الإخلاص من قوة غير عاديةلصاحبه، لا توجد عند غيره.
إنهاقصةالعابد الذي سمع أن شجرة يعبدها الناس من دون الله، فحمل فأسه، وذهب مصمما على أن يقطعها، ويقطع معها دابر فتنة تقديسها وعبادتها، وفي الطريق قابله إبليس فأراد أن يثنيه فأبى، فتصارعا، فصرع العابد إبليس، وبدا كأنه ريشة في يده، وهنا بدأ إبليس في مفاوضة ماكرة مع العابد: أن يعود ويدع الشجرة، فإن قطعها لا يفيد، فقد يعبدون شجرةأخرى، وتعهد أن يعطيه كل يوم دينارا، يجده تحت وسادته، فينتفع به، وينفق منه على المساكين، ومازال إبليس بالرجل، حتى اقتنع، وسلمه مبلغا مقدما، ثم ظل مدة يتسلم فيهاالدينار كل صباح وفق ما اتفقا عليه.
ولكن العابد فوجئ يوما بأنه لم يجد الدينار تحت الوسادة، كما اعتاد، فصبر عدةأيام، لعل صاحبه يفي له بما وعده، بيد أنه لم يفعل، فما كان من العابد إلاأن حمل فأسه، وذهب ليقطع الشجرة من جديد، فقابله إبليس، فتحداه، وتنازعا واصطرعا، فصرع إبليس الرجل هذه المرة، وكان كأنه عصفور بين رجليه!
وهناسأله العابد: ما الذي جعله يغلبه هذه المرة، بعد أن انتصر على إبليس بجدارة في المرةالأولى؟ هنا قال له إبليس: لقد كان غضبك في المرة الأولى لله، فكان لديك من القوة ما لم يكن لي قبل بها، ولا طاقة لمواجهته، فهزمت أمامك بسرعة. أما هذه المرة فكان غضبك لانقطاع الدينار، فلم يكن عندك من القوة ما كان من قبل، وهزمت أمامي بسرعةالبرق.
وهنا ظهر الفرق بين الغضب للدرهم والدينار، والغضب للواحد القهار
أن القوة الروحية أعظم من كل القوى المادية، وأن قوةالإيمان والإخلاص تفوق قوة الجبال التي تمسك الأرض أن تميد، وقوة الحديد الذي يقطع الجبال، وقوةالنار التي تذيب الحديد، وقوة الماء الذي يطفئ النار، وقوة الريح التي تحرك الماء،أقوى من ذلك كله قلب ابن آدم حين يخلص لله الواحد القهار.