روحانية الأسماء الإلهية
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه
إنه لما كان الوصول إلى حقيقة العلم الروحاني متوقفا على صفاء الروح و استنار البصيرة لتلقي المواهب اللدنية و اللطائف الربانية و إدراك الحقائق و الأسرار التي يمد بها الله سبحانه و تعالى أهله و خاصته من عباده ممن تقرب إليه بنية المحب الصادق ، كان لزاما على السالك لهذا الطريق أن يضبط نفسه بكف شهواته و نزواته كي يصير من أهل ذلك المقام ولا شك أن ذلك يكلفه جهدا كبيرا و سعيا حثيثا ، و مراقبة و محاسبة دائمة و لا يهون عليه ذلك كله إلا اللجوء إلى ربه و الإعتصام به و الوقوف موقف الإستعانة الدائبة للمولى عز وجل ، و التبرؤ من الحول و القوة إلى حول الله وقوته ، ليخلص بفضل الله بإعانة ربانية تسيره و تدبر له ، فالإعانة من الله تعالى تنزل على قدر المؤونة من العبد .
و إن مما يصلح للسالك الذي تغلبه شهوته أن يتخذ من أوراده ذكر اسم الله { الملك } فإنه مايستديم ذكره من هذا مقامه إلا بعث الله له قوة ملكية تديره و تنصره على ما يخالفه من عوالمه ، و إن أفضل كيفية للذكر بهذا الإسم أن يقرن بالتسبيح و الذي يناسل مقام التزكية لأنه تنزيه و تقديس عن العيوب و النقائص ، فوافق أن يمنح نفحة قدسية تصرف عنه اعتراءات النفوس من ظلمانية القوى الأرضية ، فيتخذ الذكر بهذه الصيغة {سبحانك ياملك } أو { سبحان الملك } ،و الذي أحبذه أن تكون الصيغة الأولى ليلية و الأخرى نهارية لما للعهد من الظهور في المعرف ، و لإسقاطه من مناسبة لعوالم الليل ، ومن جمع بينهما بأن يذكر كل صيغة على حدة عددا معينا حسب الرغبة و الطاقة فحسن ، و إن مما ينفع لصرف الخواطر التي قد تعرض للذاكر أثناء الذكر أن يضع من هذا شأنه يده على قلبه و يقول: {سبحان الملك القدوس الخلاق الفعال } سبع مرات ثم يقول { إن يشأ يذهبكم و يأت يخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز }.
فهذه من الأذكار التي ينبغي على المبتدئ ألا يهملها ، فهي من الفوائد و الأسرار التي ترتقي بالسالك إلى مراتب عليا و تدفع به للوصول إلى مقامات المتقدمين ، و تقوي عزيمته على السير قدما و تخوض به بحر المعرفة الروحانية وتحله البستان ليتذوق من رحيق زهرة حديقة العطاء النوراني الإلهي .
و الله نسأل أن ينفحنا بنفحات معرفته و يمدنا بمدد أسمائه و صفاته و ينفعنا بعطاياه من علمه و يغفر لنا ما جنيناه في حقه إذ لم نعبده حق عبادته و صلى الله على نبينا محمد و آله و أصحابه و أزواجه و ذرياته ، سبحان ربك رب العزة عما يصفون و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.