في اعتقادي أن السبب الرئيس لفشل كثير من العلاقات الزوجية هو أن هؤلاء الأزواج يعتبرون هذه العلاقة مغالبة وليست مشاركة، فيسعى مع الأسف كل طرف فيها لانتزاع ما يمكن انتزاعه من حقوق دون النظر إلى الواجبات الموكلة إليه، فيجور الطرف الأقوى على الطرف الأضعف، الذي غالبا ما يلجأ إلى انتهاج سلوكيات مناقضة لما يجب أن يكون عليه؛ لتبدأ الأسرة رحلتها في طريق الهاوية والضياع والفشل.
وشعور الصراع والمغالبة لدى الطرفين أو أحدهما لا يكون في أحيان كثيرة عن وعي وإدراك؛ بل ربما يكون شعورا عفويا غير متعمد أو مقصود، تحركه اتجاهات داخلية غير صحيحة تمارس حرصها على نجاح الأسرة واستمرارها، وعليه فإن صاحب هذه المشاعر يصر دائما على أنه محق وعلى صواب، معتقدا أن ما يفعله لا يخرج عن نطاق دوره المنوط به. وفي هذا الإطار، فإنه يمكننا تحليل وتفسير بعض دوافع العديد من المشكلات الزوجية التي لا يعترف فيها أي من أطرافها بالخطأ والزلل، بل وينظر كل طرف فيها للآخر على اعتبار أنه غير عابئ بهذه الأسرة، أو أنه غير راغب في دوامها واستمرارها.
صراع الندية:
وتعد المعاملة الندية واحدة من أهم مظاهر هذه المغالبة المرفوضة في العلاقات الزوجية، إذ نلحظ في العديد من الحالات أن الزوج يتعامل مع زوجته باعتبارها رجلا مثله، لها نفس الميول والاتجاهات، بل وعليها نفس الواجبات، فيحملها فوق طاقتها، وينتقص من أنوثتها شيئا فشيئا حتى تتحول إلى شخصية ثالثة، يكون هو نفسه أول من يعلن رفضه لها واستياءه منها، ومن ثم البحث عن غيرها حتى يستشعر معها أنها امرأة لها شخصيتها المميزة التي تفترق في ملامحها عن الرجال.
وفي المقابل نرى زوجات يتعاملن مع أزواجهن دون الاعتبار لقوامتهم أو رجولتهم، فيهملن رغباتهم، ويخالفن أوامرهم، ويبذلن ما في وسعهن من أجل تهميش آرائهم في أقل وأدنى التفاصيل، حتى يتحول الزوج إلى ما يشبه قطعة الأثاث، ويكون معدوم الشخصية، فقد أهم ما يميزه، وهو أيضا ما ترفضه الزوجة وتستاء منه، حيث فقد الرجل ما يمكن أن يحتوي به المرأة ومشاعرها من قوة الشخصية ورجاحة العقل.
وتأتي مشكلة التعامل بالندية نتيجة طبيعية لثقافة مجتمعية بنيت على أسس مخالفة للشرع والعرف، وانعكاسا لحالة السيولة الشديدة في نقل القيم والأخلاقيات المغايرة لمجتمعنا العربي والإسلامي عبر وسائل الإعلام، وفي ظل غيبة من المؤسسات الدينية والثقافية، التي كان يجب أن تقوم بدورها في إيجاد حالة من الوعي القادر على غربلة مثل هذه القيم الشاذة.
بحث عن العلو:
ومن بين مظاهر المغالبة في الحياة الزوجية أيضا؛ رغبة كل من الزوجين في استنزاف ما يملكه الآخر على المستوى المادي، حتى يتحقق له التفوق والعلو فوق الآخر، على الرغم من أن ملكية أحد الطرفين في حال توفر الحب بينهما هي ملكية للآخر، توفر له الأمان وراحة البال، ولهذا فإننا نجد أن الكثير من الخلافات تنشب بين زوجين عاملين؛ لأن الزوجة مثلا تتقاضى راتبا أعلى من الزوج، فيستثير ذلك الزوج، ويفعل كل ما يمكنه فعله من أجل استنزاف راتب الزوجة أو منعها عن عملها.
وبالطبع لا نعدم أن نجد حالات لزوجات يصبن بالغيرة الشديدة، ليس على أزواجهن ولكن من أزواجهن، إذ تحرص مثل هذه الزوجة وبكل ما أوتيت من دهاء وكيد على أن تستمر في استنزاف زوجها، وإنفاق ماله على ما تحب وتهوى، دون أن تعدم بالطبع ما يبرر لها هذا التصرف على المستوى المادي والنفسي، وهو ما يوجد حالة صراعية جديدة بين طرفين اعتبرا حياتهما صراعا يجب أن ينتصر فيه أحدهما.
من يزرع الشوك... لا يجني العنب:
لا شك أن مثل هذه النماذج أبعد ما تكون عن النموذج الذي يطلبه الإسلام ويرغب فيه، فالقرآن الكريم صرح في مواضع كثيرة أن الحياة الزوجية هي في أصلها حياة السكينة والمودة والرحمة، وليست حياة الصراع والانتقام يقول الله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، فهل يمكن أن نظن ولو للحظة واحدة أن هؤلاء الأزواج المتصارعين فهموا وأدركوا المعنى الحقيقي للزواج؟ أم أن ثمة مشاعر وهمية هي التي حركتهم لهذا الارتباط الزائف الذي شوه معنى الزواج وأفسد الحياة الأسرية؟ وفي النهاية يعيشون حياة نكدة تعسة، فمن يزرع الشوك لا يجني العنب، ولكن متى يدرك زارعو الأشواك جنايتهم؟!
م/ن