الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
المتأمل في أمراض القلوب؛ يرى أن أشدَّها مرضاً، وأعظمها ضرراً، وأكثرها خطراً على المرء المسلم في دينه ودنياه؛ هو مرض النفاق والعياذ بالله، ذلك المرض الذي إن أصاب القلب أصبح صاحبه في بؤس وشقاوة، وبلاء وتعاسة، يوعد فيخلف، ويحدث فيكذب، ويؤتمن فيخون، إذا قام إلى الصلاة قام كسلاناً، ولا يذكر الله إلا قليلاً: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}1.
وقد أصيب بهذا المرض بعض من يظنون أنهم لا زالوا مسلمين، مما أحدث بلاءً في أوساطنا، وتفرقاً في مجتمعاتنا، ومصائب في أهلينا وأنفسنا، ولا مخرج لنا منه إلا بالعلاج، والتداوي بالعلاج النبوي النافع، وأعظم فرصة لاستعمال هذا العلاج تتمثل في موسم هذا الشهر الكريم؛ لأن القلوب مقبلة على ربها، والمساجد ممتلئة بروادها؛ لذا كان شهر رمضان فرصة للوقاية والعلاج من مرض النفاق فقد جاء في حديث أنس بن مالك - رضي اللَّه عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وسلم -: ((مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ، وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ))2 قال العلامة المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي": "قَوْلُهُ: ((مَنْ صَلَّى لِلَّهِ)) أَيْ خَالِصًا لِلَّهِ ((يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى)) التَّكْبِيرَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ مَعَ الْإِمَامِ ((بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ)) أَيْ خَلَاصٌ وَنَجَاةٌ مِنْهَا ((وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ))، وقَالَ الطِّيبِيُّ: أَيْ يُؤَمِّنُهُ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْمُنَافِقِ، وَيُوَفِّقَهُ لِعَمَلِ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ، وَفِي الْآخِرَةِ يُؤَمِّنُهُ مِمَّا يُعَذَّبُ بِهِ الْمُنَافِقُ, وَيَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافِقٍ، يَعْنِي بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى"3.
فأي نعمة، وأي فضل، وأي خير أعظم من أن تكتب لك برائتان:
- براءة من النفاق؛ لأنك حافظت على تكبيرة الإحرام مع الجماعة أربعين يوماً، وهذا هو سر هذه البراءة أن تشهد مع المسلمين الصلاة فلا تتخلف عنها أبداً مهما كانت الأحوال، ومهما اضطرتك الظروف؛ لذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر، وصلاة العشاء))4؛ فإذا ما حافظت عليها أيها المسلم برئت من النفاق.
- ثم يكتب الله لك براءة من نار وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد؛ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
ولعل أفضل وقت يعينك على المحافظة عليها هو شهر رمضان المبارك.
فالله الله في المحافظة على صلاة الجماعة، وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام؛ لاسيما في شهر رمضان فإنه موسم لتغير فيه من نمط حياتك، وتفوز فيه بالخير العميم، والأجر الكثير.
والحمد لله أولاً وآخراً.
م/ن