لا شك أن تنمية مهارة الملاحظة لدى الآباء هي من أهم وسائل نجاح عملية التربية، وعلى الرغم من تسارع وتيرة الحياة في عصرنا الحالي ؛ فإن مسئولية الآباء عن أطفالهم ينبغي أن تحظى بالأولوية القصوى.
فكم من أسرة في عالمنا العربي والإسلامي تغفل عن ملاحظة التغير في سلوك أطفالها سواء داخل البيت أو خارجه، وكم من أسرة تنفصل عن التواصل مع مدارس أطفالها، وكم من أسرة تتخلى عن مسئولية تربية الأبناء وتترك المهمة للمربيات الأجانب؛ وتقدم أطفالها فريسة سهلة ليغرس الغير في عقولهم ثقافات غريبة وشاذة في بعض الأحيان!
ومهارة الملاحظة يمكن تطويرها بالتدريب اليومي ولا تستلزم من الأبوين سوى عين واعية تحتوي كل ما يطرأ على سلوك أبنائهم من تغير سواء إيجابي أو سلبي؛ فليس لزامًا أن يكون تغير بعض السلوكيات مرادفًا للتأثر السلبي، فربما تأثر طفلك بصورة إيجابية بتصرف لوالده أو والدته، أو زميل له أو قريب أو معلم أو معلمة في مدرسته.
طفلك مرآة توقعاتك
لقد نبهنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة القيام بمسئولياتنا تجاه من يناط بنا رعايتهم، فقال في حديثه الشريف: " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته".
والحقيقة التي طالما أكد عليها كذلك خبراء التربية أن الطفل بطبيعته يميل إلى تحقيق توقعاتك منه؛ أو بتعبير آخر :الوالدان هما من يحددان لطفلهما السلوك الذي سيظهره لهما، فإذا أكثروا من تعنيفه وتوبيخه فسيصبح ذلك الطفل المشاغب الذي لا يطيع أبويه ويتعمد الإتيان بأفعال منفرة منه ليثبت أنه سيء. في حين إذا نجح الأبوان في رؤية أفضل ما يفعله طفلهما وأكثروا من الثناء عليه، سيحاول أن يظهر لهما أفضل ما يمكنه ليحظى بحبهما وتقديرهما له.
والطريق إلى ذلك يتطلب أولاً المسارعة في الثناء على الطفل إذا قام بعمل أو مجهود جيد حتى وإن كان بسيطًا أو عاديًا؛ وذلك بهدف تعزيز أهمية ما فعل، وتحفيزه على الاستمرار عن طريق المكافأة.
ولكن ما هي المكافأة؟
المكافأة هي أي شيء يمكنه ترسيخ سلوك تراه مفضلاً وتريد أن تحفزه؛ ويمكن أن تكون متعددة الصور والأشكال فهي تارة في غاية البساطة كأن تقول لطفلك "أحسنت"، أو "بارك الله فيك" وتمدحه بكلمات طيبة ومشجعة، وتارة أخرى يمكن أن تكون في صورة هدية عينية أو حتى تلبية لرغبة معينة أو طلب ما ربما تعلم أنه سيسعده استجابتك له.
بالرغم من ذلك، فهناك شرط هام تؤكده الخبرة التربوية ويؤكده العلم التربوي التنفيذي وتعبر عنه الخبيرة التربوية "إليزابيث كراري" أنه لابد وأن يتوافر في المكافأة التي ستقدمها لطفلك، فهي ليست هدية عادية أو مجرد مجاملة، بل عامل كبير الأهمية والتأثير. ولذلك فالشرط يكمن في ضرورة أن تكون المكافأة شيئًا يرغب فيه فعلاً أو يحتاجه و إلا فلن تنجح في تحفيزه بما يكفي.
ويمكن تقريب إشكالية نوع المكافأة بمثال بسيط: لو أن طفلك لديه لعبة ما يحبها، وأردت أنت مكافأته بلعبة مشابهة، عندئذٍ لا تتوقع أن يكون لها في نفسه كبير أثر. ولكن إن أتيت له بلعبة مختلفة وامتدحت تصرفه فور حدوثه فستلحظ رد فعل إيجابي أوضح.
غير أن بعض الآباء يرون أنه من الخطأ مكافأة الطفل على الأعمال التي يجب عليه أن يؤديها بنفسه كأن ينظم ملابسه ويستذكر واجباته المدرسية ويعتبرون أن الثناء عليه تدليل مبالغ فيه، والحقيقة أنه لابد من ملاحظة الفارق الكبير بين منطق الطفل وقدراته العقلية وبين منطق الناضجين؛ بل إن أحيانًا يحتاج الشخص الناضج إلى من يؤازره ويساعده ويقدم له العون حين يمر بأزمة أو مشكلة ما؛ فكيف بطفل يرى في مسئولياته الصغيرة عبء كبير!
وهناك عدة وسائل يمكن اعتبارها أدوات للتشجيع وإظهار التقدير، وتلخصها الكاتبة "شيري ستيلسميث" في ستة عناصر أساسية يمكن أن ينتج عنها عدد لا نهائي من المكافآت وفقًا لطبيعة كل أسرة والأسلوب الملائم لها.
1- الثناء: أن تمدحه أو تشكره وتعبر عن إعجابك بما فعل، فإذا حصل على درجات مرتفعة في الاختبار أو ساعد في بعض الأعمال المنزلية البسيطة أو قدم العون لإخوته فلتعرب له عن سعادتك وفخرك به وتشعره بذلك.
2- الهدية المادية: ويمكن أن تكون في صورة عينية أو في صورة مبلغ من المال (وفقًا لكل أسرة).
3- مفاجأة مبهجة: كتقديم بعض الهدايا أو الأطعمة المحببة له.
4- امتيازات: منحه مزايا خاصة تقديرًا للعمل الذي أثار إعجابك وتشجيعًا له مثل زيارة صديق له أو دعوته، أو تنظيم رحلة له مع الأسرة أو الأقارب أو القيام بنزهة قصيرة.
5- الوقت: منحه جزء إضافيا من وقتك لتقرأ له أو تلعب معه لعبة بسيطة أو أي نوع آخر من المشاركة يستشعر من خلالها أهميته الكبيرة لديك وتقديرك له.
6- الاهتمام: ويمكن أن يكون بأكثر من صورة سواء لفظي عن طريق المديح، أو ضمني من خلال تصرفات معينة كمتابعته عند أدائه عمل معين أو حضور إحدى مواعيد تدريبه الرياضي.