كم هي جميلة تلك النافذة الليلية التي تطل على احلام العشاق بتلئلئ نجومها و صفاء بدرها , و التأمل فى مبدع السماوات سبحانه هو الواحد الاحد البديع المبدع العليم الحكيم .
ليست وحدة الأبعاد البيانية والبرهانية والعرفانية و غيرها من الطرق في الكلمة سوى ما أسميته بصهر نسب الحقائق الحية للملك والملكوت والجبروت في الإبداع الروحي. فقد جسّد العمل الروحي هذه النسب في طرق الشيوخ وتجاربهم باعتبارها تمّثلا واعيا ووجدانيا لمنطق الثقافة الروحية وليست وحدة الطريقة والحقيقة، الحس والعقل والذوق، الجسدي والنفسي والروحي،الطبيعي والإنساني والملائكي، وكثير غيرها سوى الصيغ المتنوعة لوحدة الحقيقة والمعنى، والتي نعثر عليها في إبداع المصطلح الروحي من حيث جمعه أبعاد البيان والبرهان والعرفان، ومن حيث تميّز حقيقته و خصوصية معناه. أننا نعثر إلى جانب المئات من المصطلحات الخاصة بالطرق الروحية في مقاماته وأحواله، الكثير الذي يرفد بنية الرؤية الروحية في مواقفها منقضايا وإشكاليات الوجود والروح والعقائد والمعرفة والإنسان، مثل مصطلحات المرآة والتجلي والحلول (في الوجوديات)، والأفق المبين والبيت والسفر والموت والآن الدائم والسرّ (في السلوك الروحي والمعرفي) والشجرة وظل الإله ولسان الحال وحجة الحق ومرآة الحضرتين( في الإنسان)
فقد وجدوا في (المرآة) الكيان الذي ينعكس فيه الوجود و تشعّ صور الأشياء، والكيان الذي تتوقف نصاعته وصفائه على كيفية صقله. لهذا تكلموا عن "مرآة الكون" إشارة إلى الوجود الوحداني المطلق الذي تظهر فيه الأكوان وأوصافها وأحكامها وتختفي بظهورها ما تخفي وجه المرآة بظهور الصور فيها. وتكلموا عن "مرآةالوجود" إشارة ورمزا إلى شكل ظهور وتعّين الشئون الباطنة أو حقائق الأشياء والموجودات، استنادا إلى أن حقائق الأشياء والموجودات باطنة، بينما تعيّنها أو تجليها ظاهرا. بهذا المعنى فان ظهور أوتعّين الشئون الباطنة هو مرآة لحقائقها. وتكلموا عن "مرآة الحضرتين" إشارة ورمزا إلى الإنسان الكامل الذي يجسّد في ذاته حركة الإمكان والوجوب. وتكلموا عن "مرآة القلب" إشارة إلى نوعية ودرجة تطورالمعارف، انطلاقا من انه على قدر صفاء المرآة (القلب) تنعكس صور الأشياء وحقائقها.
وأعطوا للعقل في العقليات تسميات متنوعة. فتارة يدعوه (بأم الكتاب) إشارة إلى انه مصدر ولادة العلوم والمعارف، وتارة (بالظل الأول) كناية عن العقل الأول وإشارة إلى كونه الظل الأول المترتب على ظهور نورالمطلق (الله)، وتارة أسموه (بالقلم) لان به يجري خط المقادير والعلوم،وتارة (بالعقاب) إشارة إلى العقل الأول، الذي هو أعلى وارفع من أي شيء ، وشبيها بالعقاب الذي هو ارفع صعودا في طيرانه جوا من الطيور الأخرى. وتارة (بالبيضاء) لأنه أول تجليات النور الإلهي.
أنَّ الروح جزء منَ الله ، لأنه لو أراد أنَّ الروح منَ الله خلقا لم يكن بينها و بين الجسد فرق
إذ الكل منَ الله تعالى خلقا و إيجادا .
و الجواب على قوله أنْ نقول :
لا شك أنَّ الله أضاف روح آدم إليه في قوله تعالى : ( فإذا سويته و نفخت فيه منْ روحي)
و أضاف روح عيسى إليه فقال : ( و مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا )
و هو أنَّ البدن مادته معلومة ، و هي التراب ، أما الروح فمادتها غير معلومة ، و هذا المعنى صحيح
كما قال الله تعالى : ( و يسألونك عن الروح قل الروح منْ أمر ربي و ما أوتيتم منَ العلم إلا قليلا )
و هذه - و الله أعلم – منَ الحكمة في إضافتها إليه أنها أمر لا يمكن أنْ يصل إليه علم البشر
بل هي مما استأثر الله بعلمه كسائر العلوم العظيمة الكثيرة التي لم نؤت منها إلا القليل
و لا نحيط بشيء منْ هذا القليل إلا بما شاء الله تبارك وتعالى
من هنا انهماك الروحاني (وتلقائيته)في توحيد البيان والبرهان والعرفان في الرؤية، باعتباره صهرا متجددا لنسب الحقائق الحية للملك والملكوت والجبروت.
نعثر في الصيغ التأويلية المتنوعة عند الروحانين على توحيد وصهر لأبعاد البيان والبرهان والعرفان. أما المعنى الجديد فهو الاشتقاق الممكن من تجارب الروح المبدع في تأويل التجربةالروحية (المنظومية والعملية)