ومن ذلك : الصلاة مع يسيرالدم ، ولا يعيد .
قال البخاري : قال الحسن رحمه الله : ما زال المسلمون يصلون في جراحاتهم .
قال : وعصر ابن عمر رضي الله عنه بثرة ، فخرج منها دم فلم يتوضأ . وبصق ابن أبي أوفى دما ومضى في صلاته . وصلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرحه يثغب دما .
ومن ذلك : أن المراضع ما زلن من عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وإلى الآن يصلين في ثيابهن ، والرضعاء يتقيئون ويسيل لعابهم على ثياب المرضعة وبدنها ، فلا يغسلن شيئا من ذلك ، لأن ريق الرضيع مطهر لفمه ، لأجل الحاجة ، كما أن ريق الهرة مطهر لفمها .
وقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات " " وكان يصغي لها الإناء حتى تشرب " وكذلك فعل أبو قتادة . مع العلم اليقيني أنها تأكل الفأر والحشرات ، والعلم القطعي أنه لم يكن بالمدينة حياض فوق القلتين تردها السنانير وكلاهما معلوم قطعا .
ومن ذلك : أن الصحابة ومن بعدهم كانوا يصلون وهم حاملو سيوفهم ، وقد أصابها الدم ، وكانوا يمسحونها ، ويجتزئون بذلك
وعلى قياس هذا : مسح المرآة الصقيلة إذا أصابتها النجاسة ، فإنه يطهرها .
وقد نص أحمد على طهارة سكين الجزار بمسحها .
ومن ذلك : أنه نص على حبل الغسال أنه ينشر عليه الثوب النجس ، ثم تجففه الشمس ، فينشر عليه الثوب الطاهر . فقال : لا بأس به . وهذا كقول أبي حنيفة : إن الأرض النجسة يطهرها الريح والشمس . وهو وجه لأصحاب أحمد ، حتى إنه يجوز التيمم بها . وحديث ابن عمر رضي الله عنهما كالنص في ذلك . وهو قوله : كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد ولم يكونوا يرشون شيئا من ذلك .
وهذا لا يتوجه إلا على القول بطهارة الأرض بالريح والشمس .
ومن ذلك : أن الذي دلت عليه سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وآثار أصحابه : أن الماء لا ينجس إلا بالتغير ، وإن كان يسيرا .
وهذا قول أهل المدينة وجمهور السلف ، وأكثر أهل الحديث . وبه أفتى عطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن المسيب ، وجابر بن زيد والأوزاعي ، وسفيان الثوري ، ومالك بن أنس ، وعبد الرحمن بن مهدي ، وأختاره ابن المنذر . وبه قال أهل الظاهر . ونص عليه أحمد في إحدى روايتيه . واختاره جماعة من أصحابنا ، منهم ابن عقيل في مفرداته ، وشيخنا أبوالعباس ، وشيخه ابن أبي عمر .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " الماء لا ينجسه شيء " رواه الإمام أحمد .
وفي المسند والسنن عن أبي سعيد قال : " قيل : يا رسول الله ... أنتوضأ من بئر بضاعة ؟ - وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن - ففال : الماء طهور، لا ينجسه شيء " قال الترمذي : هذا حديث حسن ، وقال الإمام أحمد : حديث بئر بضاعة صحيح .
وفي لفظ الإمام أحمد : إنه يستقي لك من بئر بضاعة ، وهي بئر يطرح فيها محايض النساء، ولحم الكلاب ، وعذر الناس ؟ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : " إن الماء طهور لا ينجسه شيء " .
وفي سنن ابن ماجة من حديث أبي أمامة مرفوعا : " الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه ، أو طعمه ، أو لونه " .
وفيها من حديث أبي سعيد : " أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة ، تردها السباع والكلاب والحمر ، وعن الطهارة بها ؟ فقال : لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر طهور " .
وإن كان في إسناد هذين الحديثين مقال ، فإنا ذكرناهما للاستشهاد لا للاعتماد .
وقال البخاري : قال الزهري : لا بأس بالماء ما لم يتغير منه طعم أو ريح أو لون .
وقال الزهري أيضا : إذا ولغ الكلب في الإناء ليس له وضوء غيره يتوضأ به ثم يتيمم .
قال سفيان : هذا الفقه بعينه ، يقول الله تعالى : " فلم تجدوا ماء فتيمموا " ، وهذا ماء ، وفي النفس منه شيء يتوضأ به ثم يتيمم . ونص أحمد رحمه الله : في حب زيت ولغ فيه كلب فقال : يؤكل .
م/ن