لمت يا عبد الله أن الزهد في الدنيا طريق من طرق محبة الله جل وعلا لعبده، إذ من أحبه الله وفقه لما يحب وأغدق عليه نعمه الظاهرة والباطنة، ألا فلتعلم أن محبة الله لها طرق أخرى وأسباب كثيرة توصلك إلى محبة الله لك، وترفع مقامك عنده نذكر منها:
- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه حتى يتمكن الإنسان من عبادة ربه حق العبادة التي تكون سبباً للتقرب إلى الله ومحبة الله.
- التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، وفي الحديث القدسي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : يقول الله تعالى: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي ما اقترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) [رواه البخاري].
- ومن الطرق الموصلة لمحبة الله لعبده متابعة الرسول والاقتداء به بتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، والابتعاد عما نهى عنه وزجر، فإن الله تعالى قال: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم.
إن هذه الآية تدل على صدق محبة العبد لربه، إذ لا يتم له ذلك بمجرد دعوة قلبه أو لسانه فكم من أناس يدعون محبة الله بقلوبهم وألسنتهم: وأحوالهم تكذب دعواهم، فعلامة حب العبد لربه وحب الله لعبده طاعة رسول الله .
والقرآن والسنة مملوآن بذكر من يحبه الله سبحانه من عباده المؤمنين وذكر ما يحبه من أعمالهم وأقوالهم وأخلاقهم، فالإحسان إلى الخلق سبب المحبة قال تعالى: والله يحب المحسنين، والصبر طريق المحبة أيضاً: والله يحب الصابرين، والتقوى كذلك فإن الله يحب المتقين. وبالجملة فإن طريق محبة الله طاعة أوامره واجتناب نواهيه بصدق وإخلاص.
وأما طريق محبة الناس فإن النبي علمنا كيف الوصول إليها فقال: ((وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)). ولا يتم ذلك إلا بالتعفف عما في أيدي الناس من حطام الدنيا الفانية، والإنسان عباد الله بحاجة إلى محبة الناس إليه لأنه يشعر بسعادة وانشراح عندما يعيش بين أظهر ناس يحبونه، ويشعر بضيق وانقباض عندما يحيى بين قوم يكرهونه، وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي قال: ((إذا أحب الله تعالى العبد نادى جبريل: إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبّوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)).
ولكن عليك أن تعلم أنه لا ينبغي أن تكون محبة الناس لك على حساب الحق والعدل، فإن هذا لا يجوز في دين الله عز وجل قال : ((من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤونة الناس)).
م/ن