بسم الله الرحمن الرحيم
معنى قول السلف بلا كيف
قال ابن القيم في «مدارج السالكين»([1]):
«معنى قول السلف بلا كيف؛ أي: بلا كيف يعقله البشر،
فإن من لا يعلم
حقيقة ذاته وماهيته كيف يعرف كيفية نعوته وصفاته ولا يقدح ذلك في الإيمان بها
ومعرفة معانيها؟!
فالكيفية وراء ذلك، كما أننا نعرف معاني ما أخبر الله به
من حقائق ما في اليوم الآخر، ولا نعرف حقيقة كيفيته مع قرب ما بين المخلوق
والمخلوق، فَعجْزُنا عن معرفة كيفية الخالق، وصفاته أعظم وأعظم.
فكيف يطمع العقل المخلوق المحصور المحدود في معرفة كيفية من له الكمال
كلهوالجمال كله والعلم كله والقدرة كلها والعظمة كلها والكبرياء كلها. مَنْ لو كشف
الحجاب عن وجهه لأحرقت سبحاته السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما
وما وراء ذلك([2])،
الذي يقبض سماواته بيده، فتغيب كما تغيب الخردلة في كف أحدنا، الذي
نسبة علوم الخلائق كلها إلى علمه أقل من نسبة نقرة عصفور من بحار العالَم.
الذي لو أن البحر يمده من بعده سبعة أبحر مداد وأشجار الأرض من حين خُلقت
إلى قيام الساعة أقلام؛ فني المداد وفنيت الأقلام ولم تنفد كلماته الذي لو أن الخلق
من أول الدنيا إلى آخرها إنسهم وجنهم
وناطقهم وأعجمهم جعلوا صفاً واحداً ما أحاطوا به سبحانه الذي يضع السماوات
على إصبع من أصابعه والأرض على إصبع [والجبال على إصبع]([3]) والأشجار
على إصبع، ثم يهزهنَّ، ثم يقول:
أنا الملك([4])؟!
فقاتل الله الجهمية والمعطلة؛ أين التشبيه هـهنا وأين
التمثيل؟!
لقد اضمحل هـهنا كل موجود سواه، فضلاً عن أن يكون له ما يماثله في
ذلك الكمال ويشابهه فيه».
انتهى.
[1] ـ«مدارج السالكين» (3/359).
[2] ـ كما في «صحيح مسلم» (179) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم بخمس كلمات؛ فقال: «إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل
الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه
بصره من خلقه».
[3] ـ زيادة من «المدارج».
[4] ـ كما في «صحيح مسلم» (2786).