سورة الطارق
سورة الطارق مكية إجماعًا وهي سبعَ عشرة ءاية
{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1)}
قال الماوردي هما قَسَمَان:{والسماء} قَسَمٌ، {والطارق} قَسَمٌ. والسماء هي المعروفة، والطارق هوالنجم سُمي بذلك لأنه يطرق أي يطلُع ليلاً، وما أتاك ليلاً فهو طارق قالهالبخاري، ومنه حديث التعوذ وفيه :"ومن طَوارِقِ الليلِ والنهارِ إلاطارقًا يَطرُقُ بخيرٍ" رواه مالك.
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2)}
أي ما أعلمكَ ما الطارق؟ وهواستفهامٌ يُراد منه تفخيمُ شأنِ هذا النجم، قال سفيان بن عيينة :"كل ما فيالقرءان: "وما أدراك" فقد أخبره به، وكل شىء قال فيه :"وما يدريك" فلميخبره به".
{النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)}
أي المضيء، قاله ابن عباس، وقداختلف أهل العلم فقال الحسن: هو اسم جنس لأنها كلَّها ثواقب أي ظاهرةالضوء، قال القشيريّ: والمُعظَم عليه.
{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)}
ي أن كل نفس عليها حافظ منالملائكة، قال قتادة :"يحفظون على الإنسان عمله من خير أو شر"، وقال ابنعباس {لمَّا عليها حافظ} :"إلا عليها حافظ"، قال الحافظ :"رواه ابن أبيحاتم وإسناده صحيح" اهـ.
{فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5)}
أي من أيّ شىء خلقه الله، والمعنىفلينظر نظر التفكر والاستدلال ليعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر علىإعادته، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُوَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ (27)} [سورة الروم] أي وهو هيّن عليه.
{خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6)}
أي ذي اندفاق، وهو على النسبةقاله سيبويه، والدَّفق الصَّبُّ، والمعنى أنه سائلٌ بسرعة قاله الراغب،قال أبو حيان :"والمراد بالماء الدافق منيّ الرجل والمرأة لما امتزجا فيالرحم واتَّحدا عبَّر عنهما بماء وهو مفرد".
وروى عبدالرزاق عن الأعمش أنه كان يقول :"يُخلق العظم والعصب من ماء الرجل ويُخلقالدم واللحم من ماء المرأة". وقيل: دافق بمعنى مدفوق، على ما ذهب إليه أهلالحجاز من جعل المفعول فاعلاً إذا كان في مذهب نعت، كقول العرب: عيشةراضية والمراد مرضيَّة
.
{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)}
أي أن هذا الماءَ الدافق يخرج من بين الصلبِ أي الظهر للرجل والترائب للمرأة قاله الثوري، وهي عظام صدرها.
{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ {8}
أي أن الله جلَّ ثناؤه قادر على أنيعيد الإنسان حيَّا بعد موته، وقيل: من حال الكِبَرِ إلى الشباب، ومنالشباب إلى الصبا، ومن الصبا إلى النطفة.
{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9)}
أي تُختَبر وتُكشَفُ السرائر أي ضمائر القلوب وهي ما أكنَّته القلوب من العقائد والنيات وما أخفته الجوارح من الأعمال.
{فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ (10)}
أي فما لهذا الإنسان الكافر لتكذيبه بالبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله، ولا ناصرٍ ينصره ويدفع عنه العذاب.
{وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (11)}
أي المطر بعد المطر، رواه الحاكم عن ابن عباس، وقال الحافظ :"إسناده صحيح"، قال البخاري: "وقال مجاهد {ذات الرجع}: سحاب يرجع بالمطر".
{وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (12)}
وفي صحيح البخاري عن مجاهد {ذات الصدع}: الأرض تتصدَّع بالنبات، قال القرطبي :"والشجرِ والثمار والأنهار".
{إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13)}
أي لحقٌّ، رواه البخاري عن ابن عباس، والمراد أن القرءان يفصل بين الحق والباطل.
{وَمَا هُوَ بِالهَزْلِ (14)}
أي باللعب والباطل، أي أن هذا القرءان جِدٌّ ولم ينزل باللعب.
{إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15)}
يعني اللهُ أن مشركي مكة يحتالون وهذا الاحتيال هو اجتماعهم في دارِ الندوة على المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)}
أي أجازيهم على كيدهم بأنأستدرجَهم من حيث لا يعلمون فأنتقمَ منهم، وسُمي هذا الجزاء كيدًا علىسبيل المقابلة نحو قوله: {ومكروا ومكر الله} [سورة ءال عمران]، وقوله{الله يستهزىء بهم} [سورة البقرة] قاله أبو حيان. أي يجازيهم على مكرهموالآيةُ الأخرى معناها يجازيهم على استهزائهم، ولا يسمى الله ماكرًا ولامستهزئًا.
{فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)}
أي انتظر يا محمد عقوبة الكافرين ولا تستعجل ذلك، وقوله {أمهلهم رويدًا}: أي قليلاً، وقد أخذهم الله تعالى ببدر.
ونُسِخَالإمهالُ بآية السيف {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشهرُ الحرمُ فَاقْتلواالْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [سورة التوبة] أي الأمر بالقتالوالجهاد، قاله ابن البارزي، وقال ابن الجوزي: وإذ قلنا إنه وعيد فلا نسخ.
والله أعلم
منقول للفائدة