التقى ثلاثة أشخاص يائسين من الحياة على غير موعد فوق جسر لندن الشهير في ظلام الليل. جاء كل منهم من طرف من أطراف المدينة مهموماً بمشاكله ويائسا من أي حل لها ووقف فوق الكوبري ينتظر أول فرصة يخلو فيها من المارة لكي يلقى بنفسه في مياه النهر ويدفن آلامه ومتاعبه فيها وراح كل منهم يراقب المارة
ويتنبه كل منهم فجأة بإحساس غامض إلى أن الشخصين الآخرين تراودوهما نفس الفكرة وينتصف الليل والثلاثة مازالوا في مواقعهم، ويضيق الجميع بالانتظار ، ويقرر كل منهم أن يطلب من رفيقيه الابتعاد لكيلا يفسدا عليه خطته. ويقترب الثلاثة من بعضهم ويسأل كل منهم الآخر عن سبب وجودة فى هذا المكان الموحش في ظلام الليل .. ويعترف كل منهم للآخر بعد حوار قصير بالسبب الحقيقي لوجوده. ويرجو صاحبيه في الانصراف في هدوء. ونكتشف من الحوار أن الأول شاب عاطل عن العمل طالت فترة بطالته وتراكمت علية الديون، وتأخر في دفع إيجار شقته وفواتير الغاز والكهرباء ويأس من تغير الحال فقرر الانتحار.
ونعرف أن الثاني رجل متوسط العمر أصيب بمرض خطير، وصارحه الأطباء بخطورة مرضه لكي يستنفروا إرادته للمقاومة فلم يقاوم، وقرر ألا ينتظر الأجل المحتوم وأن يسعى هو إليه باختياره.
ونتبين أن الثالث كهل لا يعانى من مشكلة مادية ولا مشكلة صحية، ولكنه متزوج من زوجه صغيرة السن تخدعه وتلتقي بشاب مثلها وتتذرع كل ليله بمبررات مختلفة لتخرج للقائه وتتركه وحيداً يعانى من وحش الغيرة. ولا يجروا أيضا على طلاقها.
ويتبادل الثلاثة الحديث عن همومهم وقد جمعت بينهم الآلام ، وأحس كل منهم بتعاطف غريب مع صاحبيه. ويكتشف كل منهم أن لديه القدرة على أن يناقش مشاكل الآخرين بمنطق جديد لم يكن يفكر به في مشكلته هو.
فيقول الشاب العاطل للرجل المريض: ولماذا تحاول أن تتمرد على أقدارك وتضع بيديك نهاية لحياتك؟ ولماذا لا تعطى الطب فرصته الكاملة لعلاجك وكل يوم يظهر جديد في الطب.
ويقول الرجل المريض للكهل المخدوع: ولماذا تعاقب أنت نفسك على جريمة ترتكبها زوجتك الخائنة؟ أنك تبدوا رجلاً متزنا ولطيفا فلماذا لا تنفصل عن هذه الزوجة التي لا تستحقك؟ وتنظر إلي الأمام بتفاؤل إلي أن تلتقي بسيدة متوسطة العمر تحبك وتسعد بك؟
ويقول الكهل المخدوع للشاب العاطل: وكيف يسلم شاب مثلك باليأس من الحياة بهذه السهولة مهما كانت الآلام والمتاعب؟ لا شك أن هناك جهة ما تحتاج الآن إلي عملك لكنك لم تهتد إليها بعد ! وتستطيع بكل تأكيد أن ترجو صاحب البيت أن ينتظر شهراً آخر إلى أن تتحسن أحوالك.
ويتفق الثلاثة على أن يؤجلوا قرارهم بالانتحار لمدة يوم آخر على أن يلتقوا في نفس الموعد في مساء اليوم التالي في نفس المكان فإذا لم يكن تغير أي شيء في نفوسهم أو ظروفهم نفذوا معاً قرارهم السابق بالانتحار وينصرف الثلاثة على وعد باللقاء.
وجاء المساء فوجد كل منهم نفسه حريصا على الوفاء بموعده مع رفيقي الظلام واليأس فاتجه الكهل إلي الجسر(وقد نام ليلته بغير ارق طويل وفى الصباح خرج إلي عمله وهو ينظر إلي زوجته نظرة جديدة يقول لنفسه لأول مرة : العار هو عار من يغدر وليس عار المغدور به وحبك الذي كان يشل إرادتي ويشعرني بالهوان معك ليس بالقوة التي كنت أتخيله بها وسوف يأتي يوم قريب أتخلص فيه من ضعفي وأنبذك من حياتي )
فوجد الشاب العاطل ينتظره (وقدا كتشف أن صاحب الذي يقيم فيه ليس بالقسوة التي تخيله عليها وقد قبل رجاءه بالصبر ) فتبادلا التحية في حرارة وتشاركا الحديث في اهتمام وسأل كل منهما الآخر عما جد في حياته وأفكاره واتفق رأيهما على أن متاعبهما ليست نهاية العالم وان هناك على سبيل المثال من هو أكثر منهم تعاسه منهما كالرفيق الثالث المريض بمرض خطير مثلاً . ترى لماذا تأخر ؟ وتلفتا حولهما يبحثان عنه وهما يواصلان الحديث وطال انتظارهما له ثم نظر كل منهما إلي الآخر في تفاهم صامت علي أنه لن يجيء لأنه رجع غالبا إلي نفس المكان المظلم بعد انصرافهما منه في الليلة الماضية واستسلم لليأس مرة أخري فانطوت صفحة حياته.
وقبل أن ينصرف كل منهما في اتجاه مختلف يسأل الشاب صديقة الجديد: ترى لماذا مات صديقنا بعد أن تفاهمنا أمس على تأجيل موعد الانتحار ؟
فيجيبه الكهل بعد تفكير : لأنه تمسك بظلام الليل واليأس ولم يعط الصباح فرصة لكى يطلع حاملاً له أملاً جديداً.
وتنتهى القصة الجميلة
وتعلق في ذهني جملة جميلة مستفاده من هذه القصة أعط الصباح فرصة.
م/ن