بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين 00
هل يفيد العلاج الروحاني في مداواة المرضى؟
منذ فجر التاريخ، زاول الإنسان طرقاً متعددة للتداوي من العلل والأسقام التي يُبتلى بها، وبعض طرق العلاج صمد أمام امتحان الزمن، فواكب أجيال البشر عبر التاريخ إلى يومنا هذا، من ذلك العلاج الروحاني·
ما فكرة العلاج الروحاني وماهيته؟! هل يعمل حقاً؟! وأين موقعه على خريطة الطب في عالم اليوم؟!
إذا أصيب جلد الإنسان بقطع >شق< فإن ذلك القطع يسمى بلغة الطب جرحاً، لكي يندمل الجرح ينبغي توافر عوامل عدة، مثل نظافة الجرح، خلوّه من الإصابة بالميكروبات، تماس حَدَّيْ الجرح، وينبغي كذلك أن تكون الصحة العامة لذلك الإنسان جيدة، وأن يكون غذاؤه متوازناً، فإذا غاب واحد أو أكثر من هذه العوامل تأخر التئام الجرح أو ربما لم يحدث أبداً·
هذا المثال البسيط يوضح إلى أي مدى تكون مداواة العلل الجسمانية صعبة ومعقدة، بحيث يحتاج التئام قطع صغير في الجلد إلى توافر هذه العوامل المتعددة·
ولكن الإنسان ليس جسماً فحسب، وكما يمرض جسمه، كذلك يمرض عقله، وكذلك تمرض نفسه، وإذا كان التئام جرح صغير في الجلد يستلزم توافر عوامل متعددة، فكيف يكون الحال إذا أصاب العقل صَدْعٌ أو أصاب النفس شرخ؟! ثم إن الجلد موضع من الجسم يمكن الوصول إليه وتنظيف جرحه وتضميده، فماذا عن العقل والنفس؟!·
هنا مكان العلاج الروحاني، الذي يهدف أصلاً إلى مداواة جروح النفس وصدوع العقل، وقد يتجاوز العلاج الروحاني حدود مداواة النفس والعقل إلى مداواة الجسد كذلك، ففي الطب الروحي الإنسان كلٌّ لا يتجزأ·
وعلى مر العصور، اقتصرت ممارسة العلاج الروحاني على صنفين من الناس: صنف يزعم أن لديه طاقة علاجية ينقلها عبر لمس يديه لأجسام المرضى فيتحقق شفاؤهم، وصنف يزعم أنه يعمل وسيطاً لطاقة كونية يرسلها رب هذا الكون فتشفي المرضى! ولم يكن كل من زاول العلاج الروحاني بالضرورة من رجال الدين، وإن كان هذا ينطبق بوجه خاص على معظم الذين يقولون إنهم وسطاء بين الله والمريض·
كيفيته
لا يشترط للعلاج الروحاني جو أو مكان معين، ولكن معتقدات وأفكار كل من المعالج والمريض قد تضفي على جلسات العلاج نوعاً من القداسة أو جواً من الرهبانية! وفي كل الأحوال يكون المريض طرفاً مستقبلاً >أو سالباً< بينما يكون المعالج طرفاً مرسلاً >موجباً< سواء أكان المعالج ذكراً أم أنثى، وتبدأ طقوس العلاج الروحاني بحركات هادئة من يدي الشخص المعالج حول رأس المريض أو حول الجزء المصاب من جسمه، وقد تستمر جلسة العلاج على هذا النحو، أو قد تتحول حركات يد المعالج إلى مسح رأس المريض أو الموضع المصاب من جسمه·
فاللمسات في العلاج تختلف عن التدليك في العلاج الطبيعي >الفيزيائي<· فبينما يهدف التدليك في العلاج إلى إحداث ليونة عضوية في العضلات والمفاصل، فإن لسمات العلاج الروحاني تهدف إلى توصيل طاقة علاجية من الشخص المعالج إلى المريض·
ليس هناك وقت محدد لجلسة العلاج الروحاني، ولكن بعض المعالجين يصرُّ على العمل في أول النهار دون آخره، بدعوى أن الأشعة الكونية ـ كما أشعة الشمس ـ تكون في ذروة قوتها في أول النهار، مما يفيد في تعجيل شفاء المريض، كذلك فليس هناك عدد محدد لجلسات العلاج، إذ يعتمد ذلك على حال المريض ومدى استجابته للعلاج، ومن الممكن عقد جلسات جماعية للعلاج الروحاني، ومثل هذه الجلسات تكون أقرب شيء إلى رياضة الاسترخاء والتأمل·
هل للعلاج تأثير؟
هل يفيد العلاج حقاً في مداواة المرضى؟!
قبل الإجابة على هذا السؤال تجب الإشارة إلى أن الأثر المترتب على أي طريقة علاجية، بما في ذلك العلاج الروحاني، ينتج من تفاعل عوامل عدة في الوقت نفسه، فاقتناع المريض بجدوى النوع من العلاج الذي يعطى له، له بالغ الأثر في تحقيق فائدة من العلاج، كذلك فإن رغبة المريض في التحسُّن وحرصه على الشفاء يلعب دوراً لا يقل أهمية عن دور الاقتناع، وبالمثل فإن اقتناع الشخص المعالج بنوع العلاج وطريقته له أثره كذلك، فحماس المعالج لنوع معين من العلاج ينتقل إلى المريض فيحقق النتيجة المرجوة·
كثير من المرضى يشعر بالتحسن بعد جلسات العلاج الروحاني، ونسبة كبيرة من المرضى يشفون بالفعل من عللهم، وقد يكون من الصعب القطع بأن طاقة علاجية انتقلت من أصابع الشخص المعالج إلى جسم المريض فحققت الشفاء، لكن من الصعب كذلك نفي وجود أثر للعلاج الروحاني، وأياً كان التفسير لذلك الأثر، مثل القول: إنه ناتج من الإيحاء أو إنه نوع من ترضية المريض، فالمؤكد أن هناك أثراً، وأن كثيراً من المرضى يتحقق شفاؤهم بالعلاج الروحاني·
فمحاولات التفسير العلمي لنتاج العلاج الروحاني لا تزال متعثرة، بعض المصادر ترجح وجود لغة غير محسوسة أو مفهومة بين أجسام البشر، يسميها التفسير العلمي >التواصل الجسدي< أو >التلامس الفيزيائي<، فبعض الأجسام لها خاصية معينة، يمكن استشعارها عند ملامستها، فقد تصافح إنساناً فتشعر بالراحة، وبأن دفئاً وسكينة انتشرت من يده إلى يدك، وقد تصافح إنساناً آخر فتشعر بالتوتر والعصبية، وهذه الظاهرة، ظاهرة التواصل الجسدي، تنتج من الأحداث اليومية المألوفة التي قلَّما نلقي لها بالاً·
القائلون بظاهرة >التواصل الجسدي< يرجحون أن المعالجين الروحانيين أناس لديهم ملكة خاصة وقدرة فطرية على إدخال السكينة والراحة في نفوس الآخرين، وهذا تقريباً هو ما يقوله المعالجون الروحانيون نفسه عن أنفسهم، ولكن بألفاظ أخرى·
مصادر أخرى تقول: إن العلاج الروحاني يشحن جهاز المناعة في الجسم فيتحقق الشفاء، بينما تذهب مصادر ثالثة إلى القول: إن اضطراب العمليات الكيمياوية الحيوية في الجسم قد يكون ممكن التصحيح عن طريق الإيحاء المتضمن في العلاج الروحاني·
مكانته من الطب
كلمة >روحاني< من النسبة إلى >روح<، (النسبة إلى كل ما فيه روح روحاني ـ هكذا في مختار الصحاح)· والروح كلمة مألوفة شائعة الاستعمال· ولكن معناها ومدلولها يختلف اختلافاً كبيراً تبعاً لمعتقدات الإنسان ومناحي تفكيره، فالروح عند المؤمن بالرسالات السماوية بدهية لا تحتمل الشك، بينما هي عند الماديين ظاهرة تحتمل الجدل، وعند الملاحدة لا تعدو أن تكون خرافة ميتافيزيقية!·
وعلى ذلك فقد يكون للعلاج الروحاني مكاناً مقبولاً في المجتمعات المؤمنة برسائل السماء، إلا أن ذلك المكان يضمحل إذا انتقلنا إلى المجتمعات المادية، ثم يكاد ينعدم تماماً في المجتمعات الملحدة·
من جهة ثانية، فإن المعرفة الطبية المتداولة في أكثر العالم اليوم قائمة على حقائق مادية >أي ملموسة أو يمكن إقامة دليل عليها< في الأغلب الأعم، لم يعد هناك مكان في تلك المعرفة للغيبيات أو الظواهر الخارقة، وينعكس ذلك في التعليم الطبي، فيتعلم الطالب أن يتعرف إلى ويتعامل مع أعراض وعلامات جسمانية >فيزيائية< دون إدراك لأبعاد الإنسان الأخرى·
لهذه الأسباب يشغل >العلاج الروحاني< Spiritual healing ركناً صغيراً على خريطة الممارسة الطبية اليوم، إلا أن ذلك الموقع المنزوي للعلاج الروحاني قد يتغيَّر في المستقبل القريب، فهناك إدراك هذه الأيام إلى أن عجز العلم البشري المتاح عن إقامة الدليل على ظاهرة معينة ليس مبرراً لنفيها، كما أن العجز عن تفسير ظاهرة معينة لا يسوِّغ رفضها، ثم إن هناك حالات متعددة شفيت بالعلاج الروحاني، في الوقت الذي أخفق فيه الطب التقليدي في تحقيق الشفاء، الأمر الذي يستدعي إفساح الصدر للعلاج الروحاني ومحاولة فهمه بدلاً من نبذه برمته·
ومما يعين على تغيير موقع العلاج الروحاني على خريطة الطب المعاصر، أن كثيراً من المعالجين الروحانيين لا يمنعون مرضاهم من مراجعة الأطباء ولا من تعاطي العقاقير التي قد يصفها الأطباء لهم، وتبريرهم لذلك أن دورهم في العلاج متمم للطب المألوف وليس بديلاً مطلقاً له، فالطب التقليدي يضمد جراح الجسد والعلاج الروحاني يأسو جراح النفس >والروح<، والعملان معاً يكمل أحدهما الآخر ولا يتعارض معه·
وعلى الرغم من وجود نفايات >اتحادات< للمعالجين الروحانيين في كثير من البلدان، وعلى الرغم من أن أعداد المعالجين الروحانيين آخذة في الازدياد، إلا أن ذلك لا يعد مؤشراً على أن موقع العلاج الروحاني في عالم الطب سوف يتغيَّر في يوم وليلة، أو أن بعض الأطباء سوف يتخصصون في العلاج الروحاني اعتباراً من اليوم، وإنما يؤخذ ذلك دليلاً على أن شعبية هذا النوع من العلاج قد بدأت ترسِّخ جذورها، وأن الآذان والأفهام بدأت تتفتح لطريقة في التداوي عاشت مع الإنسان منذ فجر التاريخ·
المراجع
1 ـ Goulder T.J. (1986): Scientific evaluation of Complementary medicine, Lancet, 1, 158.
2 ـ Haviland D. (1986): Safety of Faith Healng, (letter), Lancet, 1, 648.
3 ـ Martin E. (1986): Divine Healing, (editorial), J.R. Doll Gen Pract, 36, 3.