القيم الإيمانيّة والتعبديّة
قال الله تعالى:
( وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالاِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِّنْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُّطْعِمُونِ
إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ )
الذّاريات 56 / 58.
إنّ صفات الله تعالى وأسماءه الحسنى لها في نفس المؤمن إشراقة روحية يحسّ بها من صفا بالإيمان قلبه، وزكت بنور أسماء الله وصفاته نفسه، وتلذّذ بالمعرفة بربّه شعوره الداخلي ووجدانه.
فالمؤمن الذي يوقن بأنّ الله تعالى متّصف بكلّ صفات الكمال منزّه عن كلّ نقص، وبأنه موجوداً لا أوّل له، وباق بقاء لا نهاية له، والذي يؤمن بأنّ الله تعالى واحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله إيماناً صادقاً واعياً، فإنّه يعيش مع ربّه، ويقيم على الطهر حياته، ويملأ بالأمل قلبه ويشيع النور في بيته ومجتمعه، ويفيض الخير على من عاشره وعرفه.
صفات الله تعالى:
اتّفق العلماء على أنّه يجب في حقّ الله تعالى اتّصافه بكلّ كمال يليق بجلاله وعظمته. ويستحيل في حقّه تعالى أن يتّصف بأيّ صفة من صفات النقص التي لا تليق بجلاله تعالى. هذا على سبيل الإجمال، أمّا على سبيل التفصيل فإنّ أكثر العلماء اتّفقوا على أنّ الله تعالى يجب عقلا أن يتّصف بثلاث عشرة صفة، عليها مدار الألوهية وعظمة الربوبية. ويستحيل في حقّه تعالى ضدّ هذه الصفات.
وجود الله تعالى:
* تعريف وجود الله تعالى: إنّ الله الخالق الذي يستحقّ العبادة موجود بذاته وبصفاته وبأفعاله.
* الدليل على وجود الله: هل أنت تحتاج إلى أدلّة تثبت لك أنّ الله الخالق البارئ الواجد موجود ؟ إنّ الحقيقة الإنسانية والفطرة البشرية تكذّبان هذا الإدعاء. فما من إنسان إلَّا وعنده شعور ذاتي أقوى من الشعور بالجوع والعطش بأنّه مخلوق، وأنّ له خالقاً.
قال تعالى: ( أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُواْ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ بَلْ لَّا يُوقِنُونَ ) الطور الآية 35/36.
وهذا الشعور الفطري يستيقظ عند وجود مثير يبعث على اليقظة، من ألم ينزل أو ضرّ يحيط، قل الله تعالى: ( وَإِذَا مَسَّ الاِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً اَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ) يونس الآية 12.
وحدانية الله تعالى:
تعريف الوحدانية:
أنّ الله تعالى واحد في ذاته، وواحد في صفاته، وواحد في أفعاله. فليس في الوجود ذات تشبه ذات الله تعالى وليس أحد متصفاً بصفة تشبه صفة الله تعالى وليس لأحد غير الله فِعل يشبه فعل الله تعالى. قال الله تعالى: ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُؤًا أَحَدٌ) سورة الإخلاص.
الدليل على أنّّ ذات الله واحدة:
قال الله تعالى:
ـ ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا ) الأنبياء الآية 22.
ـ ( مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَّلِدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ اِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) المؤمنون 91.
ـ ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤًا أَحَدٌ ) سورة الإخلاص.
العلم طريق إلى الإيمان:
يظن بعض الناس الذين لم يدركوا من العلم إلا قليلاً إن الكفر من ضروريات العلم وإن أكثر الناس علماً هم أشدّهم إلحاداً .
والحقيقة أن العلم لا يؤدي بصاحبه إلى الإلحاد في أيّ عهد من العهود، فإنّ العالِم المنقّب عن الحقائق يجد نفسه في هذا الوجود في عالَم لا حدّ له. والعلماء بما أُوتوا من صفات النظر العميق والتحقيق الدقيق يقفون على أسرار الإبداع الإلهي في الوجود ممّا لا يظهر لغيرهم .
فالتفكير والبحث والتأمّل باستعمال العقل والقلب في الخلق هو الطريق الوحيد إلى معرفة الله ومعرفة كماله، وبذلك ينشأ الإيمان الحقيقي.
قال الله تعالى: ( أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الاَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوَ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ ) الحج الآية 46.
( أَوَ لَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ قُلْ سِيرُواْ فِي الاَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شِيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت الآية 19/20.
هذا الكون آية على وجود الله:
من أعظم الدلائل على وجود الله: خلق الكون، فالأرض التي نعيش عليها والمجموعة الهائلة من النجوم التي تتراءى لنا تُبهر الناظر عند التأمّل فيها، فتقف النفس أمامها حائرة تسودها الرهبة و يسيطر عليها الإعجاب، فتزداد إيماناً بعظمة الخالق .
والقرآن الكريم كثرت فيه الآيات التي تدعو الإنسان بأن يوجه نظره إلى خلق هذا الكون - من سمائه و أرضه - وتدعوه إلى التفكر في أسراره ليدعم إيمانه ويطرد الشك من نفسه قال الله: ( قُلُ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ) يونس الآية101.
فالقرآن يصرّح بأن الإلحاد إذا استمر بعد النظر في هذا الكون وما فيه من حِكم وأسرار تدلّ على التصميم وعلى وجود خالق له، فليست هناك أدلّة أقوى من هذه،كما أنه لن يؤثر في الملحدين أي دليل آخر.
فالمؤمنون هم الذين يستدلون بخلق هذا الكون على وجود الله، جاء في القرآن ( خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُومِنِينَ ) العنكبوت الآية 44، وجاء أيضاً ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ لَآياتٍ لِّلْمُومِنِينَ ) الجاثـية الآية 3.
أقوال العلماء في وجود الله:
من أقوال الفقهاء:
ـ قال أبو حنيفة: ما تقولون في رجل يقول لكم: إني رأيت سفينة مشحونة بالأحمال مملوءة من الأثقال قد احتوشها في لجّة البحر أمواج متلاطمة ورياح مختلفة وهي من بينها تجري مستوية ليس لها ملاّح يجريها، ولا متعهّد يدفعها. هل يجوز ذلك في العقل ؟ قالوا: هذا شيء لا يقبله العقل، فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله ! إذا لم يجز في العقل سفينة تجري في البحر مستوية من غير متعهّد ولا مُجْر فكيف يجوز قيام الدنيا على اختلاف أحوالها، وتغيّر أعمالها، وسعة أطرافها، وتباين أكنافها من غير صانع وحافظ ؟.
ـ سئل الشافعي رحمه الله، ما الدليل على وجود الله ؟ فقال: ورقة التوت، طعمها ولونها وريحها وطبعها واحد عندكم، فتأكلها دودة القز فيخرج منها الحرير، والنحل فيخرج منها العسل، والشاة فيخرج منها البعر، وتأكلها الظباء فيعقد في نوافجها المسك، فمن الذي جعل هذه الأشياء كذلك مع أن الطبع واحد؟
من أقوال الفلاسفة والعلماء:
ـ قال ديكارت فيلسوف فرنسي: إني مع شعوري بنقص ذاتي أحسّ في الوقت ذاته بوجوب وجود ذات كاملة وأراني مضطر للاعتقاد بأن هذا الشعور قد غرسته في ذاتي تلك الذات الكاملة المتحليّة بجميع صفات الكمال وهي الله.
ـ وقال: إني لم أخلق ذاتي بنفسي، وإلا فقد كنت أعطيتها جميع صفات الكمال التي أدركها. إذن أنا مخلوق بذات أخرى، وتلك الذات يجب أن تكون حائزة جميع صفات الكمال، وإلا اضطررت أن أطبق عليها التعليل الذي طبّقته على نفسي.
ـ قال نيوتن وهو أكبر علماء الفلك في عصره:كيف تكوّنت أجسام الحيوانات بهذه الصناعة البديعة ولأي المقاصد وضعت أجزاؤها المختلفة ؟ هل يُعقل أن تُصنع العين الباصرة بدون علم بأصول الإبصار ونواميسه ؟ والأذن بدون علم بقوانين الصوت ؟ كيف يحدث أنّ حركات الحيوانات تتجدّد بإرادتها ومن أين جاء هذا الإلهام الفطري في نفوس الحيوانات ؟
شبهات منكري وجود الله والردّ عليها:
الماديون لا يعتقدون أن للوجود خالقاً بل يقولون بأنّ كلّ ما في الوجود أزلي صادر عن المادة، والنواميس الطبيعية نشأت على سبيل الصدف وبلغت من الكمال والارتقاء عن طريق التطورات المتعاقبة، وقد سرت تعاليم المادة إلى بعض الناس فألحدوا فتصدى كثير من العلماء للرّدّ على هؤلاء وبيان فساد مزاعمهم، وإليك بعضاً من أقوالهم :
ـ نظرية الصدفة: فسّرت الصدفة بحدوث شيء أو ظاهرة دون سبب ولا مرجع.
الرّدّ على هذه الشبهة:
لنفرض أنّ معك كيساً يحوي مئة قطعة رخام، تسع وتسعون منها سوداء وواحدة بيضاء. والآن هزّ الكيس وخذ منه واحدة: إنّ فرصة سحب القطعة البيضاء هي بنسبة واحد إلى مئة، والآن أعد قطع الرخام إلى الكيس، وأبدأ من جديد: إن فرصة سحب القطعة البيضاء مرتين متواليتين، هي بنسبة واحد إلى عشرة آلاف. والآن جرّب مرّة ثالثة، إن فرصة سحب تلك القطعة البيضاء ثلاث مرّات متوالية هي نسبة مئة مرّة عشرة آلاف أي بنسبة واحد من المليون، ثم جرّب مرّة أخرى أو مرّتين، تصبح الأرقام فلكية.
* قال جون وليام كلوتس وهو عالم في الوراثة: إن هذا العالم الذي نعيش فيه، قد بلغ من الإتقان والتعقيد درجة تجعل من المحال أن يكون قد نشأ بمحض المصادفة، إنه مليء بالروائع والأمور المعقّدة التي تحتاج إلى مدبّر، والتي لا يمكن نسبتها إلى قَدَرٍ أعمى. ولا شك أن العلوم قد ساعدت على زيادة فهم وتقدير ظواهر هذا الكون المعقّدة، وهي بذلك تزيد من معرفتنا بالله ومن إيماننا بوجوده.