بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الدواء المزيل للحسد من الحاسد نفسه
فواز بن سعود الماطر
الدواء المزيل للحسد من الحاسد نفسه
1- التقوى والصبر:
فمن وجد في نفسه حسدًا لغيره فليستعمل معه الصبر والتقوى فيكره ذلك في نفسه.
2- القيام بحقوق المحسود:
بعض من الناس الذين عندهم دين لا يعتدون على المحسود، فلا يعينون من ظلمه، ولكنهم أيضًا لا يقومون بما يجب من حقه، بل إذا ذمه أحد لم يوافقوه على ذمه ولا يذكرون محامده، وكذلك لو مدحه أحد لسكتوا ، وهؤلاء مدينون في ترك المأمور في حقه ، مفرطون في ذلك لا معتدون عليه، وجزاؤهم أنهم يبخسون حقوقهم فلا ينصفون أيضًا في مواضع ، ولا ينصرون على من ظلمهم كما لم ينصروا هذا المحسود.
أما من اعتدى بقول أو فعل فذلك يعاقب، ومن اتقى الله وصبر فلم يدخل في الظالمين نفعه الله بتقواه.
3- عدم البغض:
في الحديث «ثلاث لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة وسأحدثكم بما يخرج من ذلك: إذا حسدت فلا تبغض وإذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض» [رواه ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة].
4- العلم بأن الحسد ضرر على الحاسد في الدين والدنيا ومنفعته للمحسود في الدين والدنيا، فلا ضرر فيه على المحسود لا في الدنيا ولا في الدين، بل ينتفع به فيهما جميعًا.
أما ضرره في الدين فلأنه سخط لقضاء الله وقدره وكراهة لنعمته على عبده المؤمن ، وانضم إليه غش المسلم وترك نصحه وترك العمل بقول النبي : «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [رواه البخاري ومسلم] ، وانضم أيضًا إلي ذلك أنه شارك إبليس وهذه خبائث تأكل الحسنات ، وأما ضرره في الدنيا فإنه الألم الوقد الحاضر، والعذاب الأليم .
وأما كونه لا ضرر على المحسود فواضح لأن النعمة لا تزول بالحسد. وأما منفعته في الدين فهو أن المحسود مظلوم من جهة الحاسد لا سيما إذا أخرج الحسد صاحبه إلي القول والفعل بالغيبة والقدح فيه وهتك ستره وذكر مساويه ، فهذه هدايا تهدى إليه، وأما منفعته في الدنيا للمحسود فهو أن أهم مقاصد أكثر أبناء الدنيا إيصال الضرر والهم إلي أعدائهم وهو متوافر في الحسد وقد فعل الحاسد بنفسه مرادهم ، فأنت إذا حسدت بالحقيقة عدو لنفسك صديق لعدوك ، ومع هذا كله فقد أدخلت السرور على إبليس وهو أعدى عدو لك ولغيرك ، ولو عقلت تمامًا لعكست وكلفت نفسك نقيض الحسد إذ أن كل مرض يعالج بضده .
5- الثناء على المحسود وبره:
فيكلف نفسه الثناء عليه من غير كذب ويلزم نفسه بره إن قدر، فهذه الأفعال تعمل مقاربة تطيب قلب المحسود ، ويحب الحاسد ويصير ما يتكلفه أولاً طبعًا آخرًا. ولا يعمل بوساوس الشيطان من أن هذا عجز ونفاق وخوف لأن ذلك من خدعه ومكائده .
فهذا الدواء ، إلا أنه مُرٌ قلَّ من يقدر عليه. قال تعالى { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]. والعمل النافع فيه عدم البغي ، وكذلك أن يحكم الحسد ، فكل ما يتقاضاه الحسد من قول وفعل فينبغي أن يكون نقيضه ، فإن بعثه الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له والثناء عليه، وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والاعتذار إليه، وإن بعثه على كف الإنعام عليه أحسن إليه، فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه ، ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه ، وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد ؛ لأن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك، ثم ذلك الإحسان يعود إلي الأول فيطيب قلبه.
وإنما تهون مرارة هذا الدواء أعني التواضع للأعداء والتقرب إليهم بالمدح والثناء بقوة العلم بالمعاني التي ذكرنا ، وقوة الرغبة في ثواب الرضا بقضاء الله تعالى وحب ما أحبه وعزة النفس وترفعها عن أن يكون في العالم شيء على خلاف مراده.
6- إفشاء السلام:
قال : «أفشوا السلام بينكم» [رواه مسلم] فأخبر بحال الحسد ، وأن التحابب ينفيه ، وأن السلام يبعث على التحابب فصار السلام إذن نافيًا للحسد. وقد جاء كتاب الله تعالى يوافق هذا القول في قوله تعالى: { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]. قال مجاهد: معناه ادفع بالسلام إساءة المسيء. قال الشاعر:
قد يلبث الناس حينًا ليس بينهم ود فيزرعه التسليم واللطف
7- القناعة بعطاء الله:
قال بعض الحكماء: من رضي بقضاء الله تعالى لم يسخطه أحد ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد، فيكون راضيًا عن ربه ممتلئ القلب به.
8- نقل الطباعة (الطبع):
أما يستعمله من كان غالبًا عليه الحسد ، وكان طبعه إليه مائلاً لينتفي عنه ، ويُكفاه ، ويسلم من ضرره وعدواه ، فأمور هي له حسم إن صادفها عزم، فمنها: اتباع الدين في اجتنابه ، والرجوع إلي الله عز وجل في آدابه فيقهر نفسه على مذموم خلقها ، وينقلها عن لئيم طبعها ، وإن كان نقل الطباعة عسرًا لكن بالرياضة والتدرج يسهل منها ما استصعب ويحبب منها ما أتعب ، وأن نقدم قول القائل: من ربه خلقه كيف يخلي خلقه، غير أنه إذا عانى تهذيب نفسه تظاهر بالتخلق دون الخلق ثم بالعادة يصير كالخلق. قال أبو تمام الطائي:
فلم أجد الأخلاق إلا تخلقًا ولم أجد الأفضال إلا تفضلاً
9- العقل:
الذي يستقبح به من نتائج الحسد مالا يرضيه ، ويستنكف من هجنة مساويه ، فيذلل نفسه أنفة ، ويطهرها حمية ، فتذعن لرشدها وتجيب إلي صلاحها. وهذا إنما يصح لذي النفس الأبية والهمة العلية ، وإن كان ذو الهمة يجل عن دناءة الحسد الذي يريد بعقله – بما استودعه الله عز وجل من المعرفة بضرر الحسد – على منازعة الطبع ودعاء العدو.
10- استدفاع ضرر الحسد وتوقي أثره:
ويعلم أن مكانته في نفسه أبلغ ومن الحسد أبعد ، فيستعمل الحزم في دفع ما أكده وأكمده ليكون أطيب نفسًا وأهنأ عيشًا. وقد قيل العجب لغفلة الحساد عن سلامة الأجساد.
11- رؤية نفور الناس منه (أي الحاسد) وبعدهم عنه:
فيخافهم إما على نفسه من عدواة أو على عرضه من ملامة ، فيتألفهم بمعالجة نفسه ويراهم إن صلحوا أجدى نفعًا وأخلص ودًا.
12- مساعدة القضاء والاستسلام للمقدور:
ولا يرى أن يغالب قضاء الله فيرجع مغلوبًا ولا أن يعارضه في أمره فيرد محرومًا مسلوبًا، وقد قال أردشير بن بابك: إذا لم يساعدنا القضاء ساعدناه. وقال محمود الوراق:
قدر الله كائن حين يقضي وروده
قد مضى فيك علمه وانتهى ما يريده
وأخو الحزم حزمه ليس مما يزيده
فأرد ما يكون إن لم يكن ما تريده
13- قمع أسباب الحسد:
فأما الدواء المفصل فهو تتبع أسباب الحسد من الكبر وغيره وعزة النفس وشدة الحرص على مالا يغني، فهو مواد المرض ، ولا يقمع المرض إلا بقمع المادة.
14- كراهة القلب لحب زوال النعمة:
أما إذا ألزمت نفسك وقلبك كراهة ما يترشح منه بالطبع من حب زوال النعمة حتى كأنك تمقت نفسك على ما في طبعها ، فتكون تلك الكراهة من جهة العقل في مقابلة الميل من جهة الطبع- فقد أديت الواجب عليك ولا يدخل تحت اختيارك في أغلب الأحوال أكثر من ذلك.
15- العلم بأضرار الحسد على الحاسد في الآخرة:
بأن الحاسد معترض على أقدار الله – الحاسد متشبه بالكافرين – الحاسد جندي من جنود إبليس – الحاسد مفارق للمؤمنين – الحاسد معذب في الآخرة – حسنات الحاسد تذهب للمحسود.
16- العلم بأضرار الحسد على الحاسد في الدنيا:
بأن الحاسد دائمًا في الهم والحزن – الحاسد قد يتمنى لنفسه البلاء – الحاسد تنزل عليه البلايا.
17- أن يعلم الحاسد أنه قد غش من يحسده من المسلمين وترك نصيحته وشارك أعداءه:
إبليس والكفار في محبتهم زوال النعم عن المؤمنين ، وكراهة ما أنعم عليهم به، وأنه قد سخط قضاء الله عز وجل الذي قسم لعباده.
18- أن يعلم الحاسد أنه لو كان الذي يحسده أبغض الناس إليه وأشدهم عدواة له، أنه لا تزول النعمة عنه بحسد الحاسد له.
19- أن يعلم الحاسد أن الحسد في الدين والدنيا من حسد إبليس.
20- أن يعلم الحاسد أنه لو كان حسد الحاسد يضر المحسود فيزيل عنه بحسده له النعم، لدخل على الحاسد أعظم الضرر؛ لأنه لا يعرى أن يحسده غيره.
21- العلم بأنه خلق دنيء يتوجه نحو الأكفاء والأقارب ويختص بالمخالط والمصاحب.
22- الإخلاص.
23- قراء القرآن وتدبره.
24- تذكر الحساب والعقاب.
25- الدعاء والصدقة.
26- تذكر الحاسد أن من ينفث سمومه عليه من إخوانه ويناله بسهمه، هو أخ مسلم ليس يهوديًا ولا نصرانيًا.
فإن أظفرته السعادة بأحد هذه الأسباب ، وهدته المراشد إلى استعمال الصواب سلم من سقامه وخلص من غرامه ، واستبدل بالنقص فضلاً ، واعتاض من الذم حمدًا.