لا تصيب دموع إنسان مكاناّ من جسده إلا حرم الله ذلك المكان على النار
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن أهل المعاصي ليسوا من الله في شيء,فقد اجتمعت على قلوبهم الذنوب حتى صارت قلوباً
قاسية كالحجارة أو أشد قسوة,وأبعد القلوب من الله القلب القاسي, أما أهل الإيمان فهم أهل الله وخاصته الذين
ما تركوا لله طاعة إلا شمروا عن ساعد الجد لأدائها وما علموا بشيء فيه رضا لله إلا فعلوه
راغبين, فأورثهم الله نور الإيمان في قلوبهم فصارت قلوبهم لينه من ذكره تعالى وقادت جوارحهم للخشوع فما
تكاد تخلوا بالله إلا فاضت أعينهم من الدمع من كمال خشيته وكانت تلك الدموع أكبر حائل يحول
بين صاحبها وبين النار,ولقد أثنى الله في كتابة الكريم في أكثر من موضع على البكائين من خشيته تعالى
فقال جل شأنه(وقرءاناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاّ قل آمنوا به أولا تؤمنوا
إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداّ ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا
لمفعولاّ ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاّ,وروى الترمزى عن ابن عباس قال
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشيه الله وعين باتت تحرس في
سبيل الله)وروى ابن أبى الدنيا عن حمزة الأعمى قال,ذهبت بي أمي إلى الحسن فقالت ,يا أبا سعيد
ابني هذا قد أحببت أن يلزمك فلعل الله أن ينفعه بك,قال,بابني أدم الحزن على خير الآخرة لعله أن
يوصلك إليه وابك في ساعات الليل والنهار في الخلوة لعل مولاك أن يطلع عليك فيرحم عبرتك
فتكون من الفائزين,ومن أقوال الحسن البصري,بلغنا أن الباكي من خشيه الله لا تقطر من دموعه قطره حتى
تعتق رقبته من النار, وقال أيضاً,لو أن باكياّ بكى في ملأ من خشية الله لرحموا جميعاّ وليس شيء
من الأعمال إلا له وزن إلا البكاء من خشية الله فإنه لا يقوم الله بالدمعة منه شيء وقالوما بكى عبد إلا شهد
عليه قلبه بالصدق أو الكذب,وقال أبو جعفر الباقر,ما اغرقت عين عبد بمائها إلا حرم الله وجه
صاحبها على النار فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه قتر ولا ذله وما من شيء إلا وله جزاء إلا
الدمعة فإن الله يكفر بها بحور الخطايا ولو أن باكياّ بكى من خشية الله في أمه رحم الله تلك الأمة,وعن
أبى معشر قال,رأيت عون بن عبد الله في مجلس أبى حازم يبكى ويمسح وجهه بدموعه فقيل له لم
تمسح وجهك بدموعك ،قال ،بلغني أنه لا تصيب دموع الإنسان مكاناّ من جسده إلا حرم الله عز
وجل ذلك المكان على النار ,وبالتأمل في سيرة هؤلاء الصالحين الباكين من خشية الله تعالى ,نجد أنهم
اشتركوا في صفة واحدة على تنوع عباداتهم واجتهاداتهم في طاعة الله تعالى, تلك الصفة هي
الإخلاص المنافي للرياء فلقد كانوا رضي الله عنهم, أبعد الناس عن أن يراهم أحد حال البكاء حرصاً
منهم أن لا يدخل العجب قلوبهم فتبطل عبادتهم,ابتغاء نيل الأجر كاملاً غير منقوص من
رب العالمين لا من مدح المادحين,وقال الحسن البصري, إن كان الرجل ليجلس المجلس فتجيئه عبرته فيردها, فإذا
خشي أن تسبقه قام,من هنا نجد أن السلف الصالح, أدرك حقيقة الإيمان وحققوه في حياتهم قولاً وعملاً
وكانت سيرتهم العطرة زاداً ينير القلوب التي أظلمتها المعاصي,وكان محمد بن المتكدر ذات ليله قائم
يصلى إذ استبكى فكثر بكاؤه حتى فزع له أهله فسألوه, ما الذي أبكاك, فاستعجم عليهم فتمادى في
البكاء فأرسلوا إلى أبى حازم وأخبروه بأمره فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكى فقال, يا أخي ما الذي
أبكاك, قد رعت أهلك فقال له إني مرت بي آيه من كتاب الله عز وجل قال,ما هي, قال,قول الله تعالى
(وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون)قال فبكى أبو حازم معه واشتد بكاؤهما فقال بعض أهله لأبى
حازم جئناك لتفرج عنه فزدته ، فأخبرهم ما الذي أبكاهما,أتى الحسن البصرى بكوز من ماء ليفطر
عليه فلما أدناه إلى فيه بكى ,وقال ذكرت أمنية أهل النار قولهم (أن أفيضوا علينا من الماء)وذكرت ما
أجيبوا به (إن الله حرمهما على الكافرين)وصلى تميم الدارى ليله, حتى أصبح أو قارب الصبح وهو
يقرأ آية ويرددها ويبكى( أم حسب الذين اجترحوا السيئات,أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا
الصالحات )ذاك والله هو الإيمان الحق الذي ليس بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقة
العمل وهؤلاء هم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون وإن لم يكن هؤلاء أولياء الله فليس لله
ولى,ذاك الإيمان الصادق تجسد في هؤلاء الصالحين في أحسن صورة فكونوا به أطهر
حضارة على وجه الأرض وحملوه إلى كل الآفاق ,وفتحوا معها قلوب العباد وحطموا الطوغيت ونشروا كلمة
التوحيد, أين نحن من هؤلاء ,لكن حياة هؤلاء الصالحين تشير ببساطة إلى موضوع الخلل في
حياتنا,إنها ظاهرة ضعف الإيمان في القلوب,والمادية التي طغت علينا في كل شيء,إنه
التشبث الأعمى بالحياة ونسيان رب الحياة.