بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
مفهوم الارواحية
يمكن القول ان مفهوم الارواحية أو النزعة الارواحية قد ساد منذ اواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر للإشارة إلى وجود كائنات روحية تسيطر على الحياة وعلى مقدرات البشر جاء تايلر في اواخر القرن التاسع عشر 1866 ليقدم لنا مفهومه الذي يطلق عليه الانيميزم أو المذهب الحيوي والذي ينقسم عنده إلى اتجاهين أو بالاحرى إلى مبحثين متكاملين:
الأول: يشير إلى وجود نفوس في الكائنات الفردية
الثاني:وجود الارواح على اختلاف ودرجاتها ابتداء من الاشباح حتى الالهة انفسه.
وواضح من كتابات تايلر انه يعتقد ان تصور الرجل البدائي لهذه الاشباح والارواح والالهة متوقف كلية على تصوره للنفوس ولذا كا ن لا بد لكي نفهم طبيعة هذه الارواح وبالتالي طبيعة الالهة من أن نحلل اولا تصور البدائيين للنفس وبخاصة النفس الإنسانية وينتقل تايلر إلى ان الرجل البدائي يعزو للإنسان ليس نفسا واحدة أو روحا واحدة بل نفوس وارواح كثيرة ومتعددة وان الإنسان ليس هو الكائن الوحيد الذي يمتلك ارواحا أو نفوس بل الحيوانات أيضا وكذلك النباتات على اعتبار انها تشارك الإنسان أو الحيوان ظاهرة الحياة والصحة وامتدت فكرته إلى الجماد.
بالطبع ان فكرة تايلر واجهت نقدا شديدا خاصة تلاميذه اندرو لانغ وماريت وعلى الرغم من أن اندرو كان من اتباع النظرية التطورية "شانه في ذلك شان تايلر" لكنة رفض فكرته التي ذهبت إلى ان الالهة قد تطورت عن فكرة الاشباح أو الارواح اما شميدت وكان من المشايعين للمذهب الروحاني أيضا وافق على فكرة تايلر في أن الاعتقاد في الارواح ربما جاء من ظاهرة فيزيقية الاحلام ولكنه لم يكن مستعدا شانه في ذلك شان اندرو لان يتقبل فكرة ان الالهة قد تطورت عن الارواح ان ثمة تباين واضح بين فكرة الاحلام عند هذه الشعوب البدائية وفكرة الالهة أو الكائن الأعلى ان نخوض في مناقشة نظرية تايلر تفصيلا في المذهب الحيوي كل ما نريد توضيحه ان الكتاب والباحثين قد تناولو فكرة الارواح والاشباح كانت لهم اراء ونظريات وايا كان الامر فان الشعوب التقليدية المعاصرة تعتقد في وجود الارواح سواء تلك التي ترتبط بالكائنات العليا أو الاسلاف أو بالإنسان العادي أو تلك التي تسكن المجال الطبيعي "الانهار- والبحيرات والابار والجبال والصخور والاشجار والشمس والقمر..." وهناك العديد من الاساطير التي تروي وجود هذه الارواح أو ارتباطها بتلك المصادر الطبيعية.
معتقدات بعض القبائل
ان قبيلة ااتيف على سبيل المثال في شمال نيجيريا نعتقد ان لكل شخص روح يسمونها jijnjl والتي تبدو في ظله أو حين ينظر إلى المراه أو في صورته المنعكسه في المياه وانها تنفصل عنه بعد الموت فالإنسان الميت لا تصدر عنه ظلال انها تصبح مجرد اشباح لا ارواح من هذا القبيل ظلال الاشجار أو الاشياء غير الحية ويعتقدون أن هذه الارواح لا تفارق الجسم الا حين وفاته وانها تستقبل الرؤى والاحلام والتيف يميزون بيد الروح jijnjl وبين خاصتين اخريتين الأولى وعاء الجسم أو ما يسمونه orijirna اي النفس أو الذات ويعتقد ان هذه الارواح تصعد إلى السماء عند الموت يبد ان هناك راى اخر يبدو متناقض إلى حد بعيد حول مصير هذه الارواح إذ يرون انها تذهب إلى ارض الموت حيث تخضع لتغيرات اساسية وتفقد خصائصها الادمية ولا يختلف عنهم كثير الهنود الmapuche التي درسها 1961 فوران في وسط الارجنيتن والذين يعتقدون أن الارواح تذهب إلى عالم خاص عالم الموت لتعيش في هدوء وسكينة ولكي يتاح لها زيارة الجماعة القرابية بين الحين والاخر اما في جبال الانقسنا فلا يعرفون اين تذهب ارواح الموتى ويعتقدون انها تاتي على هيئة ظلال ولا يرونها كثيرا وان كان البعض يرى انها تذهب إلى جبل بونق وليفير المقدسين أو جبل كامول حيث بيت الاله "تل" اما قبائل سارا بالقرب من بحيرة تشاد فيعتقدون أن الروح تنطلق ناحية الغرب بعد الموت ولكنها في الوقت نفسه تظل بالقرب من قبر صاحبها.
ان الكثير من الشعوب تدرك هذه الثنائية كما نجد لدى قبائل الماندانج يقول هوبر ديشان في كتابه "الديانات في افريقيا السوداء"كل إنسان له صورة أو ظل ونسمة بعد الموت تصعد تلك الأخيرة إلى السماء واما الظل فتظل في بيت الميت إلى ان تتم مراسم الجنازة ثم تغادره وتظل هائمة تترد على موطنها الأول بين الحين والاخر لتحلق في نهاية المطاف بالنسمة التي صعد إلى السماء كما نجد فكرة تعدد الانفس أو الارواح هذه في داهومي عند قبائل الفون التي درسها موبال ان لكل كائن حي اربعة انفس نفس شافافة, نفس كثيفة ونفس غير مرئية والتي إذا انفصلت عن الجسد حدثت الوفاه والنفس الكاملة التي تحل في جسد اخر عندما يفارق الميت الدنيا. اما قبائل الكيكويو فنرى ان لكل شخص نفسين احدهما منفصل عن الجسد بعد الموت لتنضم إلى نفوس الاسلاف والأخرى نفس جماعية وتعتبر في اعتقادهم جزءا من روح الاسرة التي تحل مؤقتا في احد اعضاءها إلى ان تحل فيما بعد في جسم احدث مولود في الجماعة ومن ناحية أخرى فقد يستدل الإنسان على ظهور هذه الارواح أو وجودها من بعض الاحداث والظواهر التي تقع تحت ناظريه بعيدا عن المجال الإنساني فكثيرا ما تجفل الحيوانات فجاة لغير سبب ظاهر فيعزى ذلك الجفول إلى ظهور الارواح والاشباح من حيث لا يستطيع الإنسان رؤيتها من هذا القبيل أيضا اعتقاد سكان الاسكيمو بان للحيوانات ارواح "الرنة. الدب القطبي..." ومن ثم فان الممارسات السحرية كفيلة بان يتحكم الصيادون في ارواح هذه الحيوانات وتفيد المادة الاثنوغرافية التي جمعتها في جبال كورنجو 1986 ان زعيم كاسوللى حين كان يقوم بسبر الخريف بامر الشبان بالخروج إلى الصيد لاحضار حيوان صغير اشبه بالغزال يسمونه بالمحلية "بوقا" ويحملونه إلى الشجرة المقدسة أو شجرة الكجورية انجيكر كاتا هسلا بعد ممارسات ياتي الكجور إلى شجرة يسمونها "انجية" اشبه بشجر اللبخ حيث يلتفون حولها دائريا وتحمل الكجور الطائر المقدس ويضعه على ساقه حيث تتقدم احدى مساعداته انداطو وتغسل فم حيوان البوقا بشراب المريسة ثم بالماء فيموت على الفور "اعتقد ان طريقة الغسل نفسها هي السبب المباشر لموت حيوان البوقا حيث تضغط انداطو على راس الطائر بيديها مررا" ثم يذبح وينظف على النار ويفصل اللحم عن العظم ثم يقطع إلى قطع صغيرة حيث يوزع على جميع افراد القرية اعتقادا منهم ان فيه رحمة للاطفال وفال طيب لهم ولذويهم اما العظام فتدفن في الأرض لتحقيق الخصوبة والنماء وفي جبال كارلنجا ثمة اعتقاد ان الخنزير لا يمكن اصابته بالعين الشريرة أو الحد لان دماءه حارة وان روحه كفيلة بدرء شرور السحر واثامه حيث يقوم الكجرة بنثر دماءه امام مسكن الساحر وكذلك عند البشر التي يرتادها والطريق المؤدية لزراعته وقطع راس الخنزير ودفنها في طريقة اعتقادا ان مجرد مرور الساحر على هذه الدماء أو الاجزاء كفيل بقتله ووضع نهاية لشروره واثامه اما في كورنجو فندفن راس الخنزير في الأرض درا للحسد والعين الشريرة اما في جبال الانقسنا عندما بنحر الخنزير فانهم يحرصون على ان تكون راسه تجاه الجبل المقدس "بونق" ويطعن في اي مكان ويشارك أكبر عدد في عملية الذبح تبركا وتيمنا من هذا القبيل اعتقادهم في طائر السمبرية "دار" فالبعض ياكلها دون الاخرين أو ترفض جماعة الكولان المقيمة حول "باو" اكلها ويعتقدون أن هذا الطائر تتجسد فيه ارواح أبناءهم من المهاجرين منذ زمن طويل ومن ثم يرحبون بقدومها ويقدمون لها ما تحتاج من طعام وشراب في ترحاب بالغ اما جماعة الجكتاو المجاورة لهم فانهم يصطادونها وياكلونها ويتفاءلون بها عند موسم الحصاد إذ ان ظهورها بشير بزيادة الإنتاج وعند قبائل اللثان احد فروع الدنكا طوطم يمثل روح المعشر وهو الثور ويسمى kr ويعتقدون انهم من سلالة هذا الحيوان ولذلك فهو اهل لكل تقديس هذا فيما يتعلق بالمجال البشري والحيواني اما فيما يتعلق بالمجال الطبيعي لوجدنا امثلة كثيرة لدى العديد من الشعوب التقليدية والوثنية فيها بصفة خاصة ففي جبال الانقسيا تحاك الكثير من الاساطير حول "بونق" وجبل ليفر وجبل كامول وترجع قداستها إلى عدد من العوامل لعل أهمها كما يزعمون ان الاله "تسل" يتردد على هذه الجبال من حين لاخر كذلك ارواح اسلافهم من الموتى فضلا عن الثور تلقدس يمر بهذه الجبال مرة كل عام هكذا فجاة ليلا أو نهارا خاصة منطقة الوى تل أو بيت الاله في طريقه إلى جبل سودا حيث يوجد بيت اخر للاله وتذهب اساطير أخرى في korongo إلى ان ثور الماء نى قد يظهر ممتطيا صهوة جواد أو كلب ولا يراه الا الكجرة كاسوللى أو تشيللى ويعتقدون أن الاله لا يهبط على الأرض الا عندما يحل الظلام ليوزع الارزاق ويبدل الأحوال للغنى والفقر ويخلق الاطفال ولا يختلف هذا عما يذكره لنا جيمس في كتابه للغصن الذهبي عن قبائل akikuyn في شرق افريقيا الذين يعتقدون ثعبان النهر ويقيمون له احتفالات وطقوس حيث تقدم النساء إلى اله الثعابين وخاصة الفتيات الصغيرات ويتولى زمام المبادرة في القيام بهذه الطقوس والممارسات رجل الطب أو الكاهن حيث تم هذا الزواج المقدس ويمضي فريزر فيذهب لنا أسطورة أخرى ذكرها الرحالة ابن بطوطة عن سكان جزر maldive قبل دخولها إلى الإسلام وعاداتهم المؤكدة على لسان بعض سكان هذه الجزيرة في وثنيتهم حيث تظهر روح شريرة عبر البحر يعتقدون انها من الجن وتظهر على شكل انوار متوجهة وسرعان ما يسرع الوثنيون من سكان هذه الجزيرة ويقدمون عذراء صغيرة بعد تجميلها ويحملونها إلى المعبد الوثني على الشاطئ ويتركون الصبية اعذراء طوال الليل وعندما يعودون في الصباح يجدونها كما هي وقد ماتت
وتمتد فكرة الارواح في المجال الطبيعي إلى الأرض كما نجد عند سكان مناطق الاكوادور والذين يعتقدون بان الخصوبة مردها إلى الارواح الكامنة في الأرض والتي يجب تقديم القرابين لها حتى لا تهدد مصالحهم أو زراعتهم حرصا على استعادة العلاقة الودية بينهم وبين هذه الارواح واستمرار دعمها لهم بزيادة فاعلية الأرض وإنتاجيتها وكذلك الحال لدى القبائل الهنود الحمر في المكسيك وغينيا الجديدة الذين يحرصون على تقديم القرابين لارواح الأرض على ما اصابهم من محصول وفير