وكانت لجنة الفتوى الرئيسة بالجامع الأزهر الشريف، أكدت فى بيان لها عن أداء صلاة الجمعة والجماعة احترازًا من الإصابة بـ"فيروس كورونا" أن الشريعة الإسلامية تعمل على رعاية مصالح العباد والبلاد، وتغرس فى نفس المسلم إنكار الذات، وتعزيز الانتماء للأمة، ولا شك أن حفظ النفس أحد الضرورات التى نادت بها جميع الشرائع، فلم تخل ملة من الملل إلا ودعت بالمحافظة عليها.
وبينت اللجنة أن العديد من النصوص القرآنية والنبوية تصرح بحفظ النفس، واجتناب كل ما يؤدى إلى خلل فيها، أو فى أى عضو يؤثر بالسلب عليها، منها قوله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ، ومن السنة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها»، فهذا يدل على أن الوقاية من الأمور التى تجب مراعاتها خشية الوقوع فى الهلاك.
وأشارت لجنة الفتوى الرئيسة بالأزهر الشريف إلى أن من ثبت بالفحص إصابته بفيروس كورونا أو أى فيروس آخر مما يسهل معه انتقال العدوى عن طريق مخالطته بالآخرين فيحظر عليه أن يختلط بالناس فى الأماكن المغلقة التى يسهل انتقال العدوى من خلالها سواء المواصلات ، أو العمل ، أو المقاهى وحتى المسجد ، لئلا يُلحق الأذى بالناس حتى ولو كان قصده حسنا، ويجوز للسلطات المختصة أن تطبق الحجر الصحى على من ثبت إصابته بالفيروس ولو جبرا عنه مراعاة للمصلحة العامة، فعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " من أكل ثوما أو بصلا، فليعتزلنا - أو قال: فليعتزل مسجدنا - وليقعد فى بيته ".
وذكرت أنه إذا كان النبى صلى الله عليه وسلم نهى من حمل رائحة كريهة تؤدى إلى إيذاء الناس أن يصلى فى المسجد خشية إيذاء المصلين، وهو إيذاء - لو وقع - فهو محدود سرعان ما يزول بالفراغ من الصلاة ، فأولى منه وباء يسهل انتشاره ويتسبب فى الإضرار بالنفوس المحترمة شرعا مما قد يؤدى معه إلى حدوث كارثة تضر بسلامة البلاد والعباد.
كما أوضحت اللجنة أن صلاة الجمعة من الشعائر التعبدية التى أمر الله بإعلانها وتعظيمها، قال تعالى {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} ، وعلى الرغم من أهمية إعلان هذه الشعائر وأدائها، وأفضلية صلاة الجماعة فى الصلوات الخمس إلا أن النبى صلى الله عليه وسلم شرع للمسلمين أداء الصلاة فى المنزل عند خوف لحوق الضرر بسبب المطر والبرد الشديد فأولى منه انتقال العدوى لأن فيه هلاكا للنفس، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ- رضى الله عنهما ، أَنَّهُ نَادَى بِالصَّلَاةِ فِى لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ وَمَطَرٍ، فَقَالَ فِى آخِرِ نِدَائِهِ: أَلَا صَلُّوا فِى رِحَالِكُمْ، أَلَا صَلُّوا فِى الرِّحَالِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ، إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ، أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ فِى السَّفَرِ، أَنْ يَقُولَ: «أَلَا صَلُّوا فِى رِحَالِكُمْ» .
وتابعت: إن كان النصّ فى المطر الشديد والوحل مع إمكان التحرز منه فأحرى من ذلك تطبيق النص فى ما لا يمكن الاحتراز منه كانتشار العدوى والفيروسات المعدية والناقلة للمرض مما يكون معه الضرر أشدُّ، ويصعب الاستنقاذ منه ، كفيروس كورونا الماثل عالميا ، ذلك أن الترخص بترك صلاة الجمعة والجماعة عند حلول الوباء ووقوعه أمر مسلم به عقلا وفقها.
وتقول اللجنة إنه بناء على ما سبق: فإن ثبت لدى دولة ما، وأعلن ولى الأمر احترازات معينة تُحِدُّ من خطورة هذا الوباء فيجب على كل الجهات المعنية الالتزام بهذه الإجراءات الاحترازية التى تمنع من انتشار هذه الفيروسات سواء منها ما يتعلق بالتجمع فى وسائل المواصلات، أو المقاهى أو أداء الصلوات فى المساجد، وحتى صلاة الجمعة، وذلك تطبيقا لقاعدة تصرف ولى الأمر منوط بالمصلحة، واعتمادا على القواعد الشرعية التى تقضى بوجوب حفظ النفوس، وتقديم درء المفاسد على جلب المصالح.
كما تهيب لجنة الفتوى بالمواطنين وجميع وسائل الإعلام التحلى بالمسؤولية، وتحثهم على عدم ترويج الإشاعات وإثارة الرعب والفزع بين المواطنين، كما تحث اللجنة جميع المواطنين على الالتزام بالتعليمات والإرشادات التى تنشرها الجهات المختصة دون غيرها، سائلين الله عز وجل أن يحفظ مصرنا وسائر البلاد والعباد من كل أذى مكروه.