الآعتكاف
شروط الاعتكاف :
يشترط لصحة الاعتكاف ما يلي :
1- الإسلام : فلا يصح من كافر ، لأنه من فروع الإسلام ، والكافر لا يقبل منه عمل مادام على كفره .
2- العقل : فلا يصح الاعتكاف من مجنون أو صغير غير مميز ، لأنه لا بد فيه من نية ، والمجنون والصغير لا يدرك ذلك المعنى .
3- المسجد : فلا بد ان يكون الاعتكاف في مسجد ، ولا يصح في غير المسجد .
4- النية : فلا يصح من غير نية ، لأنه عبادة والعبادة لا بد فيها من نية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات " [ متفق عليه ] .
5- الطهارة الكبرى : فلا يجوز للمعتكف أن يدخل المسجد وهو جنب إلا عابر سبيل فقط ، أما أن يعتكف ويلزم المسجد وهو جنب فلا يجوز بل ذلك محرم عليه ، فلا بد من الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس من أجل المكث في المسجد ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " [ أخرجه أبو داود وابن خزيمة وغيرهما وضعفه الألباني في تمام المنة 118 ] .
6- إذن الزوج للزوجة : فكما أن المرأة لا تصوم تطوعاً إلا بإذن زوجها ، فكذلك الاعتكاف لا تعتكف إلا بإذنه ، ولو كان اعتكافها منذوراً . ويدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله ، فاستأذنت حفصة عائشة أن تضرب خباء فأذنت لها ، فضربت خباء . فلما رأته زينب بنت جحش ضربت خباء آخر ، فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم رأى الأخبية فقال : ما هذا ؟ فأخبر فقال النبي صلى الله عليه وسلم آلبر تُرَون بهن ؟ فترك الاعتكاف ذلك الشهر ثم اعتكف عشراً من شوال " [ أخرجه البخاري ] . وقد جاء عند أبي داود : " أن حفصة استأذنته فأذن لها " ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان ، وإذا صلى الغداة دخل مكانه الذي اعتكف فيه ، قال : فاستأذنته عائشة أن تعتكف فأذن لها ، فضربت فيه قبة ، فسمعت بها حفصة فضربت قبة ، وسمعت زينب بها فضربت قبة أخرى ، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغداة أبصر أربع قباب ، فقال : " ما هذا ؟ فأخبر خبرهن ، فقال : " ما حملهن على هذا ؟ آلبر ؟ انزعوها فلا أراها " فنزعت فلم يعتكف في رمضان حتى اعتكف في آخر العشر من شوال " [ أخرجه البخاري ]
قال ابن حجر رحمه الله :
في الأحاديث السابقة دليل على ان المراة لا تعتكف حتى تستأذن زوجها ، وأنها إذا اعتكفت بغير إذنه كان له أن يخرجها ، وإن كان بإذنه فله أن يرجع فيمنعها [ فتح الباري 4/351 ] .
ما يجوز للمعتكف وما لا يجوز :
اتفق الفقهاء على أنه يلزم المعتكف البقاء في المسجد وأن يُلزم نفسه بذلك ، ولا يخرج من معتكفه إلا لعذر شرعي أو ضرورة أو حاجة . ودليل ذلك ما روته عائشة رضي الله عنها قالت : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله ، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان إذا كان معتكفاً " تعني البول والغائط [ أخرجه البخاري ومسلم ] ، وعنها رضي الله عنها قالت : " السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منه ، ( ولا اعتكاف إلا بصوم ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ) " [ أخرجه أبو داود وما بين القوسين ليس من كلام عائشة رضي الله عنها وهو ضعيف . فتح الباري 4/347 ] .
المقصود ان هناك أموراً يجب أن يعرفها المعتكف حتى لا يفسد اعتكافه وهي :
1- يجوز أن يخرج من المعتكف للحاجة الماسة كالبول والغائط .
2- يجوز الخروج من أجل الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر ، إذا لم يكن بالجامع أو المسجد دورات مياه .
3- يجوز الخروج لأداء صلاة الجمعة ، لأنها فرض ولا تسقط بحال ، وخروجه لها لا يبطل اعتكافه .
4- يجوز الخروج من أجل إحضار أكل وشرب ولبس يحتاجه ، ما لم يكن هناك من يأتيه به .
5- ولا يجوز له الخروج من أجل أن يأكل ويشرب في بيته ، فإن خرج لذلك بطل اعتكافه لجواز الأكل والشرب في المسجد .
6- ويجوز الخروج إذا دعاه ولي الأمر للنفير ، لأنه واجب عليه .
7- يجوز خروج المعتدة لتعتد في بيتها ، وخاصة المتوفى عنها زوجها فهي مأمورة بالعدة في بيت زوجها .
8- يجوز الخروج لأداء شهادة لا بد من الإدلاء بها .
9- يجوز الخروج إذا خاف على نفسه من سلطان ، أو خاف على حرمته من أن تنتهك ، أو خاف على ماله أن ينهب .
10- يجوز الخروج من أجل المرض الذي لابد له من رعاية واهتمام وخدمة فراش ، ولا يبطل اعتكافه بذلك ، ولا يجوز له الخروج إن المرض خفيفاً كالصداع الخفيف والحمى الخفيفة وألم الضرس ، ففي هذه الحال بقاؤه في البيت والمسجد سواء ، فلا حاجة لخروجه من المسجد .
11- يجوز الخروج للحيض والنفاس ، لأنهمها ليستا من أهل الصلاة في تلك الحال ، أما المستحاضة فلا تخرج لأنها من أهل الصلاة ، وعليها أن تتحفظ لئلا تلوث المسجد .
12- من خرج ناسياً فلا شيء عليه .
13- لا يجوز الخروج من أجل عيادة المريض أو زيارة قريب أو صديق ، ولا يشهد جنازة ، ولا يذهب ليصلي عليها أو ليشهد دفنها ، ولا يحضر غسلها ما لم يكن ذلك متعيناً عليه ، بحيث لا يمكن لأحد أن يقوم بهذا الأمر إلا هو ، فإنه يجب عليه الخروج والحالة تلك .
14- يجوز له أن يعقد الزواج في المسجد ، وكذلك حضور عقد زواج غيره في المسجد ، لأن ذلك لا يطول كتشميت العاطس ورد السلام .
15- لا يجوز الخروج من أجل تجارة أو للفرجة والنزهة أو التكسب في المسجد ، ولا يجوز اشتراط ذلك ، قال تعالى : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " [ البقرة 187 ] .
16- ويجوز له أن يحدث أهله في معتكفه ، فعن صفية بنت حيي قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلاً ، فحدثته ثم قمت ، فانقلبت فقام معي ليقلبني وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي " فقالا : سبحان الله يا رسول الله ، قال : " إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءاً [ شراً ] أو قال شيئا " [ أخرجه البخاري واللفظ له ، وأخرجه مسلم وما بين القوسين عند مسلم ] .
كما يجوز له أن يستقبل من يزوره في المسجد للحديث معه كالزوجة والأولاد والوالدين والإخوان والأصدقاء ، لكن لا يُطيل الحديث معهم ولا يتكلم فيما يُغضب الله تعالى .
17- يجوز الخروج فيما سبق إذا كان الاعتكاف تطوعاً ، أما إذا كان نذراً فلا يخرج ما لم يشترط قبل دخول المسجد للاعتكاف ، ولا يجوز الاشتراط فيما جاء في الأمر الخامس عشر ( 15) من التنبيهات ، فإنه لا يجوز الاشتراط فال. في المسجد معصية لله تعالى ، والتكسب في المسجد منهي عنه . وكذلك البيع والشراء والصناعة ، فكل ذلك لا يجوز في المسجد .
18- والسنة للمعتكف أن لا يزور مريضاً ، ولا يجيب دعوة ، ولا يقضي حوائج أهله بل يوكل من يقوم لهم بذلك من .هم ، ولا يذهب إلى عمله خارج المسجد . [ فتاوى اللجنة الدائمة 10/410 ] .
19- إذا خرج المعتكف من معتكفه وكان ناذراً لذلك ، فيجب عليه قضاء ذلك اليوم ، وعليه كفارة يمين ، لأنه في نذره ، لأن الوفاء بنذر الطاعة واجب ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه " كمن خرج لإنقاذ ماله ، أو إسعاف أهله ، أو خوفاً على نفسه ، أو ما شابه ذلك . [ الفقه الإسلامي وأدلته 3/1771 ] .
مبطلات الاعتكاف :
يبطل الاعتكاف بأحد الأمور التالية :
1- الردة : فمن ارتد عن دينه والعياذ بالله ، فقد خرج من الإسلام وأصبح في عداد الكفار ، والكافر غير مطالب بفروع الدين ، ما لم يؤمن بأصوله ، والاعتكاف من فروع الدين . وإذا عاد إلى الإسلام فلا قضاء عليه عند جمهور العلماء .
2- الحيض والنفاس : وقد سبق توضيح ذلك .
3- ال. : فمن جامع أثناء اعتكافه فقد بطل بمقتضى الدليل القرآني ، فقد قال الله تعالى : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " ، فمن جامع فقد بطل اعتكافه ، وكذلك المرأة المعتكفه . ويبطل الاعتكاف أيضاً بالقبلة والمباشرة مع الإنزال للآية السابقة . وكذلك لو أنزل بسبب النظر المحرم .
4- الخروج بلا ضرورة ولا حاجة .
5- السكر ، والإغماء والجنون الطويلان ، وذلك لعدم أهليتهم للعبادة .