بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
اسم الله تعالي الْوَهَّابُ
الْوَهَّابُ
الوهاب : كثير الهبة والعطاء من غير توقع عوض ، وهو معنى واسع يشمل هبة كل شيء مادي ومعنوي وهدى وكلمة طيبة وكمال وذنوب وملك.
والله تعالى هو الوهاب الحق : وحده لا شريك له وذلك لأنه سبحانه له كل كمال وجمال لا نهاية له ولا حد ، وهو بنفس وجوده وكماله يشع ويظهر ويتجلى بالوجود كله بكل مراتبه ويمنحه وجود ذاته وصفاته والقدرة على أفعاله ويحفه بنعم لا تحصى ، ويمده بنعم وما يتمم به كماله ليسير بها لأحسن غاية ممكنة له وبأحسن صنع وأتقن إحكام لا يمكن أن يوجد أحسن منه ، وهذه كلها يصدق عليها معنى هبة من الله للشيء وعطاء منه تعالى من غير عوض ولا ثمن ، ولا أحد يمكن أن يعطي الله شيء ليس في ملكه ، بل كل شيء هو من ملك الله وهو الواهب له لمن يهبه ويعطيه ولو بدون ثمن ولا انتظار جزاء .
فالله سبحانه هو الوهاب الحق : والذي يعطي بدون عوض ولا توقع جزاء ، ولا يوجد فيه شيء من المعاني الموجودة في هبة البشر ، لأنه هبة وموهبة البشر وإعطائهم يستتبع إما المنّ أو المدح والثناء أو الشهرة بالكرم ، أو لحق سابق يهب من يعرفه ليخرج من خجله وحقه ، أو لتأثر قلبه لما يراه من مستضعف فيمنحه ويهبه شيء ليرفع تألم قلبه وضيق نفسه التي تشعر بالألم له والتحسر على حاله فتتحرك لرفعه ، أو يهب ليرفع نقص كان في سبب لتملكه لشيء ليس بحق ليخرج من بعض حقه ، وللناس مراتب وإن وجود وهاب خلى من هذه المعاني فقد كان له التجلي الخاص من الله بالوهاب كما سترى .
فالله هو الوهاب الحق : يهب لمن يشاء بما يشاء لا مانع من هبته وله سبحانه الإرادة النافذة في إيصال عطائه لكل مستحق لهبته ومستعد لتجلي فيض الله عليه ، ومن غير مَنّ ولا أذى سواء لمؤمن أو لكافر ، ولكن الكافر بعصيانه عرفت يضيق وجوده فلا يمكنه قبول الحق وفيض الكمال والهدى من الله ، فبتعصيه يظلّم وجوده ويحرم نفسه ويتجلى الله عليه بالقهر ، فيهبه نار تناسبه وتحرقه وعذاب شديد شراه بنفسه وبعمله وبكفره وبجحوده والعياذ بالله من رد هبة الوهاب المتجلي بالنعم في كل آن على كل طالب ، فيا وهاب يا :
اِلـهي هَبْ لي قَلْباً يُدْنيهِ مِنْكَ شَوْقُهُ وَلِساناً يُرْفَعُ اِلَيْكَ صِدْقُهُ ، وَنَظَراً يُقَرِّبُهُ مِنْكَ حَقُّهُ .... اِلـهي : هَبْ لي كمال الانْقِطاعِ اِلَيْكَ ، وَاَنِرْ اَبْصارَ قُلُوبِنا بِضِياءِ نَظَرِها اِلَيْكَ ، حَتّى تَخْرِقَ اَبْصارُ الْقُلُوبِ حُجُبَ النور فَتَصِلَ إلى مَعْدِنِ الْعَظَمَةِ ، وَتَصيرَ اَرْواحُنا مُعَلَّقَةً بِعِزِّ قُدْسِكَ .
ومن يتجلى عليه الله بحقيقة اسم الوهاب بالتجلي الخاص : يهب له كمال الانقطاع إليه فيصل لمعدن العظمة ويتجلى عليه الله بتجلي يكون هو الوهاب بما يهبه الله وإن كان بعده بالعبودية عبدا لله لم يخرج منها ، ولكن يكرمه الله الملك العظيم لما علم ما في قلبه من الإخلاص له والشوق الصادق لطلب ما عنده بحاله ومقاله ، فينال من الله الهدى التكويني والتشريعي حتى يقول الله له هذا عطائنا أمنن أو أمسك بغير حساب كما قال الله للنبي سليمان .
وخير هبة لله : هي ما وهب الله لنبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين من الملك العظيم من الكتاب والحكمة والخير الكثير من الكوثر حتى أمر الله نبينه الكريم أن يحدث بنعم الله عليه بأن جعله غني بالله عن الدنيا وما فيها ولم يشبع فيها ، ولكن أشبع البشر كله إلى يوم القيامة علم وحكمه وفي كل زمان غلبت تعاليمه في كل قانون، ووجد العدل الذي أفشاه لكل دستور وإن لم يعمل به من قبل الحكام ، وأظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون ، وجعله آله الكرام أكرم ناس في الوجود يهبون العلم والحكمة بالحق وأنظر نهج البلاغة وأحاديثهم .
فهذه هبة الله الوهاب : هي هبة الدين وتعاليمه وبالخصوص معرفة الله تعالى وإقامة العبودية الصادقة له ، فلا يؤخذ الدين ولا يعرف إلا بمعرفتهم وطاعتهم ، وهذا ملك القلوب لهم إلى يوم القيامة فما أعظم وأكرم من هذه الهبة الإلهية لهم ، وهي تفوق آلاف المرات هبة المادة الزائلة وإن كان نصيبهم خمس ما في الأرض وما يغنمه العباد حسب ما أمر الله في آيات الأنفال والخمس .